ومع أنّ المشهور بين المتأخرين هو جواز التخصيص لكن ذهب الشيخ الطوسي إلى عدم الجواز ، وتبعه المحقّق وقالا : بأنّا لا نسلّم انّ خبر الواحد دليل على الإطلاق ، لأنّ الدلالة على العمل به ، هو الإجماع على استعماله فيما لا يوجد عليه دلالة فإذا وجدت الدلالة القرآنية سقط وجوب العمل به. (١)
وحاصل استدلاله هو أنّ أدلّة حجّية خبر الواحد قاصرة عن شمولها لما إذا كان في المورد دلالة قرآنية. فالكلام ليس في أصل حجّية الخبر الواحد بل في سعته. وأمّا التّخصيص بما عرفت من الروايات فلاتّفاق الأُمّة عليه فلعلّها كانت محفوفة بالقرائن.
وحاصل الكلام انّ كون الكتاب حجّة ليس ككون خبر الواحد حجّة بل هو من الحجج القطعية التي لا يعادله شيء إلّا نفس كلام المعصوم (عليهالسلام) لا الحاكي عنه الذي يحتمل أن يكون كلامَه أو كلام غيره ، كيف وقد سمّى النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) القرآن في حديث الثقلين ، بالثقل الأكبر والعترة الطاهرة بالثقل الأصغر ، وعندئذ كيف يمكن رفع حكمه بمجرّد قول الثقة هذا ولا يعدّ ذلك خلفاً في حجّية خبر الواحد فانّ الكلام ليس في أصلها بل في سعتها.
ثمّ لو قلنا بجواز تخصيص القرآن بخبر الواحد لا نجيز نسخه به ، لأنّ الكتاب قطعيُّ الثبوت وخبر الواحد ظنّي الصدور ، فكيف يسوغ نسخ القطعي بالظنّي خصوصاً إذا كان النسخ كلياً لا جزئياً أي رافعاً للحكم من رأسه؟ وإليك المثال :
قال سبحانه : (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ). (٢)
__________________
(١) عدة الأصول : ١ / ٣٤٤ بتخليص ومعارج الأصول : ١١٤.
(٢) البقرة : ١٨٠.