وما ذكره شارح «المواقف» و «الشهرستاني» من تقسيم الشيعة إلى أخبارية وغيرها راجع إلى المسائل العقائدية دون الفقهية ، فعلى ما ذكراه فالشيعة تشعّبت في تفسير الصفات الخبرية كاليد والاستواء والوجه وغير ذلك ممّا ورد في الأخبار بل الآيات إلى طوائف ثلاث : مشبِّهة ، وسلفية ، وملتحقة بالفرق الضالة.
والحكم بأنّ ما ذكره شارح المواقف راجع إلى المسلك الذي ابتدعه الاسترآبادي عجيب جداً مع اختلافهما في موضوع البحث ، فأين العمل بظواهر الأخبار في صفاته سبحانه ، عن الأخبارية التي ابتدعها الأمين الاسترآبادي في سبيل استخراج الأحكام الشرعية من الكتاب والسنة ، مضافاً إلى أنّ مسلكه مبني على أسس وقوائم لم تكن معروفة عند غيره.
وأمّا الشاهد الثاني أعني ما ذكره العلّامة ، فهو أيضاً لا يمتُّ بصلة إلى مسلك الأخبارية المبتدَع ، بل هو راجع إلى مسألة خلافية بين علماء الإمامية منذ زمن بعيد ، وهو هل الخبر الواحد حجّة في الأُصول كما هو حجّة في الفروع أو لا؟ فالمحدّثون والذين سبروا غور الأخبار ، ذهبوا إلى القول الأوّل ، والأُصوليون الذين حكَّموا العقل في مجال العقائد قالوا بالثاني.
فالأخباري في كلام العلّامة هو ما يمارس الخبر ويدوّنه شأن كل محدّث ، لا من يسلك مسلك الأخباريّين في استنباط الأحكام الشرعية.
إنّ هذه الفكرة الخاطئة الشاذة عن الكتاب والسنّة وإجماع الأصحاب الأوائل شغلت بال العلماء من أصحابنا ما يقرب من قرنين ، وأضحت تلك البرهة فترة ركود الأُصول وتألق نجم الأخبارية ، فترى أنّ أكثر مؤلّفاتهم تعلو عليها صبغة الأخبارية ، وهم بين متطرِّف كالأمين الاسترابادي ، ومعتدل كالشيخ يوسف البحراني (المتوفّى ١١٨٦ ه) صاحب الحدائق الناضرة.