ج : الوجوب هو البعث المسبوق بالإرادة الشديدة ، والندب هو البعث المسبوق بإرادة غير شديدة ، وذلك انّ البعث الإنشائي فعل اختياري للنفس فلا بدّ في تحقّقه من سبق إرادة تكوينية ، فهي تختلف شدّة وقوّة حسب اختلاف الغايات والأغراض والمصالح في لزوم إحرازها وعدمه. فالذي يميّز الوجوب عن الندب المشتركين في البعث ، إنّما هو نشوء البعث عن الإرادة الشديدة أو الضعيفة ، وهذا هو المختار.
هذا كلّه في امتيازهما حسب الثبوت ، وأمّا امتيازهما حسب الإثبات فإنّما يحصل بالمقارنات ، فإذا كان إنشاء البعث مقروناً بصوت عال وحركات خاصة تدلّ على عدم رضا المولى بتركه فينتزع منه الوجوب ، وإذا كان مقارناً بما يفيد عكس ذلك ينتزع منه الندب.
إلى هنا تبيّن مفاد الوجوب والندب ثبوتاً وإثباتاً وانّ التفاوت بينهما ثبوتاً يرجع إلى شدّة الإرادة وضعفها ، وإثباتاً إلى المقارنات الحاكية عن أحدهما.
إذا عرفت ذلك فلنرجع إلى صلب الموضوع ، أي دلالة الصيغة على الوجوب ، فنقول : إذا تبيّن أحد الأمرين من خلال المقارنات في مقام الإثبات فيُتبع ، إنّما الكلام فيما إذا لم يتبيّن أحد الأمرين ، وكان الكلام مجرّداً عن المقارنات فالمعروف هو تبادر الوجوب ، واختلفت كلمتهم في سبب التبادر.
١. ذهب بعضهم إلى أنّ الصيغة تدلّ على الوجوب دلالة لفظية.
يلاحظ عليه : أنّ الهيئة وضعت لإنشاء البعث وهو مشترك بين الوجوب والندب ، فكيف تدلّ على الوجوب دلالة لفظية.