قال له إبراهيم : يا أخى ، ما أعلمك؟ قال : أعلمنى من طهّر قلبى من حبّ سواه ، فلا أريد الآن من الدّارين إلّا إيّاه .. يا إبراهيم ، إنّ لله عبادا نظر إليهم بعين لطفه فرفع عنهم خبالهم (١) ، وأظهر لهم ما خبّأ لهم ، ورفع عنهم أغلالهم (٢) ، ورفع لهم ما هو أعلى لهم .. ثم بعد ذلك قال : يا إبراهيم ، امض (٣) إلى حال سبيلك لئلّا تشغلنى عن عبادة العلّام ، فقد قدمت (٤) منى ذنوب وسيئات عظام ، ودعنى أقبل عليه عساه أن يقبل علّى ، فما مرادى بعد رضاه شىء .. قال إبراهيم : فقلت : يا أخى أقبل عليه فإنه كريم ، وكن ذا ثقة بعفوه ، فإنه غفور رحيم .. ثم ودّعنى وانصرف وهو ينشد ويقول :
قد أقبل المولى الذي أعرضا |
|
وجاد لى منه بعين الرّضا |
وقال لى لمّا رأى زلّتى |
|
أبشر فقد سامحت ما قد مضى |
يا أيّها الخائف من ذنبه |
|
سلّم لنا وارض بمرّ القضا (٥) |
فى طاعة شئت إذا كيف لا |
|
أرحم هذا الشّعر الأبيضا |
وقد نقل فى بستان الواعظين (٦) لابن الجوزى : قال أحمد بن الشيخ : رأيت بشرا فى المنام وهو قاعد فى بستان ، وبين يده مائدة وهو يأكل منها ، فقلت له : يا أبا نصر ، ما فعل الله بك؟ قال : غفر لى ورحمنى وأباحنى الجنة
__________________
(١) الخبال : الهلاك والعناء والنقصان.
(٢) أى : ما يقيّدهم. وفى «م» : «غلالهم». وربما يريد : «غلّا لهم».
(٣) فى «م» : «قال : أنا لهم يا إبراهيم ، امضى» هكذا ، والأخير فعل أمر مبنى على حذف حرف العلة.
(٤) أى : تقدّمت.
(٥) فى «م» : «وارضى» بالياء ، خطأ ، والصواب بحذفها. والقضا : القضاء.
(٦) فى «م» : «بستان العارفين» ، ولعله وهم من الكاتب ، فقد ورد فى كشف الظنون هذا الكتاب منسوبا للإمام الفقيه أبى الليث نصر بن محمد السمرقندى الحنفى ، المتوفى سنة ٣٧٥ ه. وورد مرة أخرى للإمام محيى الدين بن شرف النووى الشافعى ، المتوفى سنة ٦٧٦ ه. أما كتاب ابن الجوزى ـ المتوفى سنة ٥٩٧ ـ فهو يحمل عنوان : «بستان الواعظين ورياض السامعين».
[انظر كشف الظنون ج ١ ص ١٩٦ و ١٩٧].