أصله ، فعزّ ذلك على أحمد بن طولون ، فطلع المنبر يوم جمعة ، فخطب خطبة بحضور جماعة من أصحابه وجنده ، وكان أخذ على أيديهم بالحضور إليه ، وأقسم فى أثناء خطبته بالله العظيم ما بنى هذا الجامع ـ ويده تشير إليه ـ من ماله ، وإنّما بناه بكنز ظفر به فى الجبل الثالث (١) ـ وبيّن طريق وجوده ـ وأن العشارىّ (٢) الذي نصبه على مئذنته وجده فى الكنز ، وأن جميع ما بناه فى القرافة من المصانع والمجارى برسم الماء ، وما جدّده فى السور ـ من الكنز المذكور .. وكمّل الخطبة .. وصلّى هو وأصحابه ، فلما سمع الناس ذلك ، اجتمع خلق كثير فى الجامع وصلّوا الجمعة.
ثم كتب قوم منهم رقعة يسألونه أن يوسّع فى قبلة الجامع ، فأمر بإحضارهم ، فلما حضروا أعلمهم أنه (٣) عندما شرع فى إنشاء الجامع على هذا الموضع اختلف المهندسون فى تحديد (٤) قبلته ، فرأى النّبيّ ، صلّى الله عليه وسلم ، فى المنام وهو يقول له : يا أحمد ، إنّ قبلة هذا الجامع على هذا الموضع ، وخطّ له فى الأرض صورة ما يعمل .. فلما كان الفجر مضى مسرعا إلى الموضع الذي أمره رسول الله صلّى الله عليه وسلم بوضع القبلة فيه ، فوجد صورة القبلة (٥) فى الأرض مصوّرة ، وأنه بنى المحراب على ذلك ، وأنه لا يسعه أن يوسّع فى المحراب لأجل
__________________
(١) هكذا فى «م» و «ص» .. وفى الكواكب السيارة : «... وإنما بناه من كنز وجده فى الجبل المقطم».
(٢) العشارىّ فى اللغة : القطعة من كل شىء .. وقد توضع فوق المئذنة أو القبة لوضع الحبوب للطيور فيها ، كما قال بذلك المؤرخون والأثريون فى تفسير وجود «العشارى» فوق قبة الإمام الشافعى ، فقد كان يعلوها «عشارى» على صورة مركب أو سفينة طولها متران ونصف.
[انظر مساجد مصر لسعاد ماهر ص ٢٧ ـ المجلد الأول].
(٣) فى «م» و «ص» : «أنه كان».
(٤) هكذا فى «ص» .. وفى «م» والكواكب السيارة : «فى تحرير» أى : فى إنشاء وإقامة.
(٥) فى «م» : «صورة للقبلة».