البحر (١) بحافة النيل ، فتوجهت إليها وهو معى ، وكان لنا فى الدار أمتعة وأسباب (٢) ، فوجدت رجلا سارقا قد فتح الأبواب وجعلها كارة (٣) عظيمة ، وحملها على رأسه ، فلما طلعنا من السلم عارضنا فى الطريق ، فأردت أن أتكلم ، فأشار إلىّ بالسكوت ، فجعل اللص يزاحمنا فى السّلّم ، وبعلى يلقى عنه الحائط (٤) ، فلما نزل قلت له : هذا سارق أخذ متاعنا ، لأى سبب تركته؟
قال : وما يدريك أنّ ذلك يكون سببا لتوبته. قالت : فلم تمض أيام (٥) قلائل حتى جاءه رجل ومعه عبيد وحشم ، فقال : يا سيدى ، أريد أن أخلو بك ، فجاء معه ، فقال له : هل تذكر (٦) الرّجل الذي كنت تلقى عنه الحائط بيدك؟ قال : نعم. قال : يا سيدى أنا هو ، ولقد بورك لى فى متاعك حتّى أنّ جميع ما تراه منه ، ومعى آلاف ، وقد جئت إليك بألف درهم وعبدين وجاريتين. فتبسم ثم قال له : منذ رأيتك دعوت لك بالبركة ، والله لا أقبل منك شيئا. ثم دعا له بدعوات عظيمة ، وقال له : اذهب فى حفظ الله وسلامته.
قالت : ثم صار الرجل فى كل قليل يأتى إليه يصلى ، ويسلم عليه.
وكان الشريف ـ رحمه الله ـ حسن المذهب ، كثير الأفضال كما ذكر فى أول ترجمته. وكانت ولادته فى سنة ستّ وثمانين ومائتين ، وتوفى ـ رضى الله عنه ـ بمصر فى الرابع من شهر رجب ، سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة بعلّة يقال لها «التوثة» (٧) عرضت له فى حنكه وحلقه ، وعولج بضروب العلاجات ولم
__________________
(١) سيف البحر : جانبه أو ساحله. بكسر السين المهملة.
(٢) فى «م» : «متعة وأسبابا» تحريف من الناسخ .. وفى المصدر السابق : «أثاث وقماش».
(٣) الكارة : ما يجمع ويشدّ ويحمل على الظّهر من طعام أو ثياب.
(٤) أى : حتى لا يصيبه أو يصطدم به.
(٥) فى «م» : «أياما» خطأ.
(٦) فى «م» : «فقال له : بسم الله ، قال له لما خلى به : تذكر ...» والجملة المثبتة هنا عن الكواكب السيارة.
(٧) هكذا فى «م». والتوثة : الفرصاد ومعناه فى اللغة الحمرة ، أو حبّ صغيرة كنوى العنب (والله أعلم).