وفى أيامه قدم المعز لدين الله الخليفة الفاطمى ، فلما قضى (١) قيل للقاضى : اخرج إلى لقائه ، فقال : ليس لى به حاجة.
وكان دخول المعز فى سنة اثنتين (٢) وستين وثلاثمائة. وكان جوهر القائد الأزهرى (٣) قد أقرّه على ولايته لمّا دخل على عساكر المعز ، قبل أستاذه لتسلّم الديار المصرية ، ثم إن المعز لما جلس بمصر واستدعى وجوه الناس قال : أين القاضى؟ فقيل له يحضر ، فجىء به إليه ، فنظر عليه أثوابا خلقة (٤) ، فقال : أنت القاضى؟ قال : نعم. فقال المعزّ : القاضى يعطى ألف دينار لإصلاح حاله. فقال : ليس لى به حاجة. فغضب المعز وقال : تردّ علىّ هديتى؟! فقال : ليس لى به حاجة ، وعندى قوت ثلاثة أيام. فقال له رجل من أهل الشرطة : إنّه يدّعى الورع بين يديك. فقال المعز : ما يقول هذا. وكان المعز كثير الحلم. فقال القاضى : اللهمّ إن كان ما قال حقّا (٥) فاغفر له ، وإلّا فاسلبه عقله. فجنّ من وقته ، فتعجب المعز لذلك ، وكان يزوره بعد ذلك مستخفيا.
__________________
(١) أى : انتهى من مجلس قضائه.
(٢) فى «م» : «اثنين» خطأ لغوى.
(٣) هو جوهر بن عبد الله الرومى ، أبو الحسن القائد ، بانى مدينة القاهرة والجامع الأزهر ، كان من موالى المعز العبيدى (صاحب إفريقية) وسيّره من القيروان إلى مصر بعد موت كافور الإخشيدى ، فدخلها سنة ٣٥٨ ه. وأرسل الجيوش إلى بلاد الشام لفتحها ، ومكث بها حاكما مطلقا إلى أن قدم مولاه المعز سنة ٣٦٢ ه ، فحل المعز محله وصار هو من عظماء القواد فى دولته إلى أن توفى سنة ٣٨١ ه بالقاهرة. وكان كثير الإحسان ، شجاعا ، لم يبق بمصر شاعر إلا رثاه.
[انظر ترجمته فى الأعلام ج ٢ ص ١٤٨ ، ووفيات الأعيان ج ١ ص ٣٧٥ ـ ٣٨٠ ، والنجوم الزاهرة ج ٤ ص ٢٨ وما بعدها].
(٤) خلقه : بالية.
(٥) فى «م» : «حق» خطأ ، والصواب بالنصب.