ودخل عليه ذات يوم رجل ومعه جام (١) زجاج صاف ، فقال : أرجو أن تصفوا قلوبكم ونيّاتكم حتى تروا الأشياء قبل ورودها.
وحكى عنه ، رضى الله عنه ، قال : كنت يوما مع والدتى فى القرافة عند قبر والدى ـ رحمه الله تعالى ـ فقالت : يا بنىّ ، سمعت صاحبى هذين القبرين يتحادثان (٢) ، ثم مشينا فجزنا (٣) على قبرين ، فقالت : يا بنىّ ، سمعت من قبر هاهنا وصاحبه يقول : أوّاه ، أوّاه ، أوّاه! فقلت : أىّ قبر تشيرين إليه؟ فقالت : يا بنىّ ما أريك إيّاه ، أن يقلّدك الله هذا الأمر (٤) ، فاستر ما قدرت.
وحكى أيضا قال : دخلت ذات يوم إلى منزلنا وأنا صغير ، [مقدار عمرى نحو سبع سنين](٥) ، فرأيت فيه شيئا (٦) من الفاكهة ، فجعلت أنظر إليها ، فقالت لى أمّى : يا حسين ، بقى للعشاء قليل ، ما تسوى الدنيا كلها هذه النظرة! وقال : جئت يوما من جنازة ومعى جماعة من الناس ، فصعدت إلى والدتى ، وكانت فى غرفة لنا ، وكانت رأتنى من الطاق (٧) والناس معى ، فقالت لى : ما هذه الشهرة ، تمشى والناس خلفك؟ ثم شالت طرف الحصير ، وأخذت بأصابعها شيئا من التراب ثم ذرّته (٨) فى وجهى وقالت : من هذا خلقت ، فلا تكبّر نفسك!
__________________
(١) الجام : إناء للطعام والشراب ، وغلب استعمالها فى قدح الشراب.
(٢) فى «ص» : «يتحدثان».
(٣) فى «م» : «فخرجنا».
(٤) هكذا فى «ص» .. وقد وردت هذه الجملة فى «م» محرّفة.
(٥) ما بين المعقوفتين عن «م» وساقط من «ص».
(٦) فى «م» : «شىء» لا تصح.
(٧) الطاق : النافذة.
(٨) فى «ص» : «ردّته».