المسجد يتكلم ، واجتمع إليه جماعة ، وكان بعض الأشراف تكلّم ، فلما كان من الغد قال : رأيت البارحة فى المنام إبراهيم الخليل ، عليه السلام ، وقد ناولنى سيفا وقال لى : تكلّم فى أمان الرحمن. واستشاره بعض أصحابه فى الخروج مع بعض الأمراء إلى مكة ، فقال : ما أقول شيئا ، من شاء أن يخرج فليخرج ، ومن شاء أن يقعد فليقعد (١). فخرج معه قوم وتخلّف آخرون ، فلما وصلوا إلى بدر مضى ذلك الأمير وتركهم ، فخرج عليهم العرب فأخذوهم وجميع ما كان معهم ، فلما بلغ الشيخ ذلك قال : كذا من ركن إلى المخلوقين ونسى الخالق.
قال : ومن كلام الشيخ أبى عبد الله : «هذه الأمّة رجلان ، أحدهما تقيّ والآخر مذنب ، فالتّقّى فى مقعد صدق عند مليك مقتدر ، والمذنب شفيعه رسول الله صلّى الله عليه وسلم ، فأىّ الرجلين يخاصم غدا؟».
ومن مواعظه : «اتّق الله أيها الرجل ، وخف من يوم لا بد من حضوره ، قال الله تعالى : (ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ ، وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ)(٢). أنت [تريد](٣) عبدك إذا دعوته يقول : لبّيك ، وإذا لم يجبك قلت : عبد سوء ، تريده يطيعك ولا يعصيك ، متى أطعت الله بما تريده من عبدك ، أما تستحى من سوء رأيك (٤)؟ ستقدم غدا ، وينكشف الغطاء ، أما سمعت قول الله تعالى : (فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ)» (٥).
وقال بعض أصحابه : رأيته بالجحفة (٦) مرارا يختلف إلى حاجة
__________________
(١) فى «ص» : «من شاء فليخرج ، ومن شاء فليقعد».
(٢) سورة هود ـ من الآية ١٠٣.
(٣) ما بين المعقوفتين عن «م».
(٤) فى «ص» : «ما تستحى ، ما أسوأ رأيك!».
(٥) سورة «ق» ـ من الآية ٢٢.
(٦) الجحفة : قرية على طريق المدينة من مكة على أربع مراحل ، وهى ميقات أهل الشام.