والثالث (١) ينتهى إلى منازل المحبين ، والرابع (٢) ينتهى إلى منازل الصابرين ، ويشرع لهذه الدار شارع إلى خيام مضروبة ، وقباب منصوبة على شاطىء أنهار الجنان ، فى ميادين قد أشرقت ، وغرف قد رفعت ، فيها سرر قد نصبت ، عليها فرش قد نضّدت ، فيها أنهار وكثبان مسك وزعفران ، قد عاينوا (٣) خيرات حسان ، وترجمة كتابها : هذا ما اشتراه العبد المحبور (٤) من الرّبّ الغفور ، اشترى منه هذه الدار بالتّنقل من ذلّ المعصية إلى عزّ الطّاعة ، فما على هذا المشترى فيما اشتراه من درك سوى نقض العهود ، وحل العقود ، والغفلة عن المعبود ، وشهد على ذلك البيان ، وما نطق به فى محكم القرآن (٥) ، قال الملك الدّيّان : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ)(٦).
وتحتوى هذه الدار على الحور الحسان ، فلو نظرت وقد برزن من قصور الدّرّ والزّبرجد والعقيان ، وقد خطرن فى أرض المسك والزّعفران ، فكل واحدة منهن تنادى بصوت حسن رخيم (٧) : من يخطبنى فى الظّلام من الحىّ القيوم الذي لا ينام ، بجوار من لا يموت ، وبقدرة من لا يفوت.
ثم تقول إذا اجتمعا : سألتك بالذى جمع (٨) بينى وبينك فى غبطة وسرور ، هل نقص (٩) مولاك شيئا مما ضمن لك؟ فيقول : لا.
__________________
(١) فى «ص» : «والحد الثالث».
(٢) فى «ص» : «والحد الرابع».
(٣) فى «ص» : «عانقوا».
(٤) المحبور : المسرور.
(٥) فى «م» : «ما نطق فى محكم القرآن».
(٦) سورة التوبة ـ من الآية ١١١.
(٧) فى «ص» : «فهى تنادى بصوت رخيم».
(٨) فى «ص» : «ثم تقول : بالذى جمع ...».
(٩) فى «ص» : «نقصك».