ومقاساة الخلق ، وسألا الله تعالى أن يقيلهما من ذلك ، ويغنيهما (١) من سعة فضله بما هو أصلح منه ، فلمّا كان فى تلك الليلة رأى الشيخ أبو الحسن فى المنام ، كأنه قد صلّى الصّبح فى منزله ، فلما فرغ من الصلاة أخذ مفاتيح دكانه ليمضى إليه (٢) ، فعند وصوله إلى قيسارية البزّازين التى جانوته بها ، وجد رجلا نصرانيّا يعرف ببطرس القس من بعض البزازين بها (٣) ، وهو واقف على أحد الأبواب بها ، وعلى يده قدر مملوءة سخاما (٤) ، وفى يده الأخرى عود ، وكل من دخل من البزّازين يلوّث وجهه من القدر بذلك (٥) السّخام ، فلما أراد الشيخ أبو الحسن الدخول إليها رأى ذلك النصرانى قد تقدم إليه يريد أن يجعل على وجهه من ذلك السخام ، فبكى بكاء شديدا ، ومن شدة بكائه استيقظ من منامه وهو باك من هول ما رآه ، فللوقت أنفذ خلف أخيه وقصّ عليه منامه ، وحلف بالله العظيم وعاهده ألّا يكون بزّازا أبدا ، وأذن له فى بيع ما فى دكّانه من البزّ ، فباعه وتصدّق بثمنه ، ولزم بيته ، واجتهد فى عبادة الله تعالى ، وتوفى فى شهر رجب سنة تسع وتسعين وخمسمائة ، وقيل سنة تسع وستين وخمسمائة (٦).
[وحكى عنه (٧) من أثق به قال : أردت السّفر إلى الحجاز ، وكنت
__________________
(١) فى «ص» : «ويعينهما».
(٢) فى «م» و «ص» : «إليها».
(٣) فى «ص» : «إلى باب القيسارية ، وجد رجلا نصرانيّا من بعض البزازين بها».
(٤) السّخام : سواد القدر ، ويطلق أيضا على الفحم.
(٥) فى «م» : «من ذلك».
(٦) هكذا فى «م» .. وفى «ص» : «وكان يوجد عنده راحة ، ولم يخرج من بيته حتى مات ـ رحمه الله ، وتوفى فى رجب سنة تسع وستين وخمسمائة».
(٧) من قوله : «وحكى عنه» إلى قوله : «إشارات الشيخ» عن «م» وساقط من «ص».