تعالى ، كان خياطا يأكل من أجرة خياطته ، ولم يكن يأكل لأحد طعاما. قال لى (١) من أثق به : إنه كان يقيم ثلاثة أيام بغير زاد ، ولا يأكل إلّا من الوجه الذي يعلم أنه حلال. وخرج إلى «منية ابن خصيب» (٢) وكان يحرس «الجرون» (٣) ، فحصّل فى طول المدة التى كان بها ثلاثة دنانير ، فأقامت معه فى مصر ثلاث سنين ، ينفق فى كل سنة دينارا واحدا.
وقيل : إنه خاط لرجل ثوبا ، فانقلب عليه فى الخياطة ، فترك أجرة الخياطة ، فقال صاحب الثوب : انقض (٤) الوصل وأصلحه. فقال : هذه شبهة حصلت فيه ، لا آخذ له أجرة ، فأخذ صاحب الثوب الأجرة واشترى بها فوطة وأرسلها إلى رجل مجاور بمكة.
ومن كراماته أنه كان له صديق بمكة ، وكان صديقه وطائفة يجتمعون عنده بمكة ، ويجتمعون عند فقيه آخر مذكور بالخير والفضل ، فقال الفقيه لصديق الشيخ : اعزم لنا على المرابط فى هذه الليلة المشاركة لليلة الجمعة ، فجاء إليه وقال له : هذه ليلة مباركة ، ونحن فى ضيافة رجل صالح ، وأراد أن يجتمع معنا عنده على الطعام ، فقال : لا سبيل إلى ذلك. فقال له : استخر (٥) الله سبحانه وتعالى وأنا أتركك فى مهماتك إلى الغروب وأعود إليك. فقال : لا سبيل إلى ذلك. قال : فانصرفت من عنده وأنا مكسور القلب ، فقال لى رفيقى : ما كان من قسمنا أن يأتينا بالمرابط نربح بركته. وكان هذا الأمر بعد الموسم ،
__________________
(١) من قوله : «قال لى» إلى قوله : «وأتقوّت منه» عن «م» وساقط من «ص».
(٢) هكذا فى «م» .. وفى معجم البلدان : «منية أبى الخصيب». وهى مدينة كبيرة حسنة كثيرة الأهل والسكن ، على شاطىء النيل فى الصعيد الأدنى. وهى «المنيا» حاليّا. أما أبو الخصيب المشار إليه هنا فهو صاحب خراج مصر من قبل هارون الرشيد ، عمرها وأنشأها لابنه.
(٣) الجرون : الجرن ، وهو الموضع الذي يداس فيه البرّ ونحوه ، وتجفف فيه الثمار ، وجمعه : أجران.
(٤) انقض ، أى : حلّ وأعد.
(٥) فى «م» : «استخير». لا تصح. والاستخارة : طلب الخير فى الشيء.