وألبسهم تيجان ولايته ، فإن دعوه أجابهم ، وإن سألوه أعطاهم ، فلا تدركهم خفيات الألحاظ ، ولا تغيّرهم جمّات الأشرار (١) ، فهم ينظرون به وإليه فى جميع الأحوال ، مستغنون به عمّن سواه. ثم قال : إنى نظرت فلم أرهم.
وقال أبو علىّ الرّوذبارىّ : دخلت على أبى بكر الزّقّاق ، فرأيته بحالة عجيبة وهو غائب ، فصبرت حتى رجع ضحوة ، فقلت : مالك أيها الشيخ؟
فقال : اجتزت ببعض الخرابات فإذا بشخص ينشد (٢) :
أبت غلبات الشّوق إلّا تقرّبا |
|
إليك ويأبى العدل إلّا تجنّبا (٣) |
وما كان صدّى عنك صدّ ملالة |
|
وما كان ذاك البعد إلّا تقرّبا |
وما كان ذاك العذر إلّا نصيحة |
|
وما كان ذا الإغضاء إلّا تعقّبا (٤) |
علىّ رقيب منك حلّ بمهجتى |
|
إذا رمت تسهيلا عليه تصعّبا (٥) |
فما هو إلّا أن سمعت ذلك حتى صرت إلى ما ترى ممّا لحقنى ، فلما أفقت قال لى : [هكذا] من تحقّق فى عبوديته (٦) ، لم يخل [محبّ] من البلاء. فقمت وتركته.
والزّقاق منسوب إلى بيع الزّقّ (٧) وعمله ، وكانت وفاة الزّقّاق سنة
__________________
(١) جمّات : جماعات. وفى المصدر السابق : «ولا يغيرهم ترجمان الأسرار».
(٢) فى «م» : «ينشد وهو يقول شعرا».
(٣) فى «م» : «ونادى» مكان «ويأبى» تحريف ، والتصويب من المصدر السابق.
(٤) فى المصدر السابق : «تغيّبا» مكان «تعقّبا».
(٥) فى «م» : «إذا مت» مكان «إذا رمت» والتصويب من الكواكب السيارة. ورمت : طلبت.
(٦) فى «م» : «عبودته» تحريف ، وما بين المعقوفتين ـ فى الموضعين ـ من المصدر السابق وسقط سهوا من الناسخ.
(٧) الزّق : الوعاء. وقيل : سمّى الزّقّاق لأنه جلس يوما على باب رباطه ، وإذا بشاب أتى إليه هاربا ومعه زقّ ، وقيل إن فيه خمرا ، فقال له : أنا أستجير بك يا سيدى. قال له : ادخل .. فلما دخل الرباط جاءت الشرطة فى طلبه ، فسألوا عنه الشيخ ، فقال لهم : دخل الرباط ، فلما سمع الشاب ذلك