فقال المزنّى لم يشك النبي صلّى الله عليه وسلم ، ولا إبراهيم عليه السلام ، فإنّ الله تعالى قادر على أن يحيى الموتى ، وإنّما شكّا أن يجيبهما إلى ما سألا.
وكانت وفاة المزنى سنة ٢٦٤ ه وهو ابن سبع وثمانين (١) ، وصلّى عليه العبّاس بن أحمد بن طولون ، ورثاه أحمد بن يحيى بن داود ، وكان صديقا له ، رحمه الله تعالى ، فقال :
لا تهجعى ، فبمثله لم تفجعى |
|
واسترفدى غربى نجيعك واهمعى (٢) |
ليس الدّموع وإن تتابع فيضها |
|
فيما دهاك به الحمام بمقنع (٣) |
إنّ الرّزيّة يا بن يحيى أصبحت |
|
عمّ العشيرة والبعيد الأشسع (٤) |
__________________
الشيطان ، لكنها لم تستقر ، ولا زلزلت الإيمان الثابت. وذهب آخرون إلى تأويل ذلك. وعن ابن جريج قال : «بلغنى أن إبراهيم أتى على جيفة حمار عليه السباع والطير ، فعجب وقال : ربّ لقد علمت لتجمعنها ، ولكن ربّ أرنى كيف تحيى الموتى». وفى رواية : حتى أعلم أنى خليلك وليطمئن قلبى بالخلة ، ولأعلم أنك تجيبنى إذا دعوتك.
وقيل : سأل إبراهيم ربه أن يريه كيفية إحياء الموتى من غير شك منه فى القدرة ، ولكنه أحبّ ذلك واشتاق إليه ، فأراد أن يطمئن قلبه بحصول ما أراده. وقال عكرمة : ليطمئن قلبى أنهم يعلمون أنك تحيى الموتى. ثم اختلفوا فى قوله صلّى الله عليه وسلم : «نحن أحق بالشك» فقال بعضهم : نحن أشد اشتياقا إلى رؤية ذلك من إبراهيم. وقيل معناه : إذا لم نشك نحن فإبراهيم أولى ألّا يشك ، أى : لو كان الشك متطرقا إلى الأنبياء لكنت أنا أحق به منهم ، وقد علمتم أنى لم أشك ، فاعلموا أنه لم يشك.
وقيل : إن سبب هذا الحديث أنّ الآية المذكورة لما نزلت قال بعض الناس : شك إبراهيم ولم يشك نبينا ، فبلغه ذلك ، فقال : نحن أحق بالشك من إبراهيم ، وأراد ما جرت به العادة فى المخاطبة لمن أراد أن يدفع عن آخر شيئا. وهذا الذي ترون أنه شك ليس بشك ، إنما هو طلب لمزيد البيان.
[انظر فتح البارى ج ٦ ص ٤١١ ـ ٤١٣ كتاب أحاديث الأنبياء].
(١) وتذكر بعض المراجع أنه ولد فى سنة ١٧٥ ه.
(٢) يخاطب الشاعر نفسه أو عينه قائلا : لا تهدئى أو لا تنامى ، واذرفي دموعك الغزيرة على الفقيد ، فبمثله لم تفجعى أو تصابى.
(٣) الحمام : الموت. والمقنع : العدل يرضى بشهادته. أو ما يرضى من الآراء. وقد جاءت هذه الأبيات من قبل عند وفاة ذى النون عندما اكتنفت جنازته طيور خضر ورفرفت عليه.
(٤) عمّ العشيرة : شمل الأقارب .. والأشسع : الأكثر بعدا.