خوفا وعبادة ، إن ناجونى أصغيت إليهم ، وإن نادونى أقبلت عليهم ، وإن أقبلوا إلىّ أدنيتهم ، وإن دنوا منى قرّبتهم ، وإن والونى واليتهم ، وإن صافونى صافيتهم ، وإن عملوا إلىّ جاريتهم ، أنا مدبّر أمورهم ، وسائس قلوبهم ، ومتولّى أحوالهم ، لم أجعل لقلوبهم راحة فى شىء غير ذكرى ، لا يستأنسون إلّا بى ، ولا يحطّون رحال قلوبهم إلّا عندى ، فوعزّتى وجلالى ، لأمكننّهم من رؤيتى ، ولأشبعنّهم من النظر إلىّ حتى يرضوا ، وفوق الرضا.
فأخبر يا داود أهل الأرض أنى حبيب لمن أحبّنى ، وجليس لمن ذكرنى ، وأنيس لمن أنس بى ، وصاحب لمن صاحبنى ، ومطيع لمن أطاعنى ، ومختار لمن اختارنى ، فهلمّوا إلى كرامتى ومصاحبتى ، وأنا الجواد الماجد ، أقول للشىء : كن فيكون».
ثم خنقته العبرة وغشى (١) عليه ، فلمّا أفاق قلت له : يا سيدى ، أوصنى! قال : «يا أبا عمرو ، اقطع (٢) عن قلبك كل علاقة ، ولا تقنع بشىء دونه».
فقلت : يا سيدى ، ادع لى. فقال : «خفّف الله عنك مؤن نصب السير إليه ، ولا يجعل بينك وبينه حجابا».
ثم ولّى كالهارب من الأسد. وأنشد يقول :
ذكرتك لا أنّى نسيتك لحظة |
|
وأيسر ما فى الذّكر ذكر لسان |
وكدت بلا وجد أموت من الهوى |
|
وهام علىّ القلب بالخفقان (٣) |
فلمّا أراني الوجد أنّك حاضرى |
|
شهدتك موجودا بكلّ مكان |
فخاطبت موجودا بغير تكلّم |
|
ولاحقت معلوما بغير عيان |
__________________
(١) فى «م» : «على غشى».
(٢) فى «م» : «واقطع».
(٣) فى «م» : «وأكدت» مكان «وكدت» تحريف.