فى النوم كأنه جالس على قبره ومعه صحيفة ، فقلت : ما فعل الله بك؟ قال : غفر لى ولكل من تبع جنازتى (١) .. فقلت : أنا ممّن تبع جنازتك ، فقال : هذا اسمك فى الصحيفة.
وقد بلغنا أنّ أرواح المؤمنين يأتون كل جمعة إلى سماء الدنيا فيقفون بحذاء قبورهم ، وينادى كلّ واحد منهم : يا أهلى ، يا جيرانى ، اعطفوا علينا بشىء يرحمكم الله ، واذكرونا (٢) ولا تنسونا ، فنحن قد بقينا فى سجن وثيق ، وغم طويل ، ووهن شديد ، فارحمونا قبل أن تصيروا أمثالنا .. الأموال (٣) التى فى أيديكم أموالنا ، والدور دورنا.
فإذا تصدق الإنسان عن ميته جاء ملك من الملائكة بطبق من نور ، والهدية على ذلك الطبق ، ولها نور ساطع فى سبع سموات ، فيقوم على شفير القبر وينادى : عليك (٤) السلام يا صاحب هذا القبر الغريب ، إنّ أهلك أهدوا إليك هذه الهدية ، فاقبلها .. فيدخلها فى قبره ، فينوّر له قبره ، ويوسع عليه.
قال عثمان بن سودة ، وكانت أمّه من العابدات ، يقال لها «راهبة» لكثرة عبادتها : لمّا احتضرت رفعت رأسها إلى السماء وقالت : يا ذخرى وذخيرتى ، لا تفضحنى عند الموت ، ولا توحشنى فى قبرى .. فكنت آتى قبرها فأقرأ كلّ ليلة جمعة (٥) وأستغفر لها .. فرأيتها ليلة فى منامى ، فقلت : يا أمّاه ، كيف أنت؟ قالت : يا بنّى أنا بحمد الله فى برزخ محمود ، نتوسّد فيه الريحان والسّندس .. فقلت : ألك حاجة؟ قالت : نعم ، لا تدع زيارتنا والدّعاء لنا ، فإنى آنس بمجيئك يوم الجمعة ، إذا أقبلت من أهلك يقال لى : هذا ابنك قد أقبل ، فأسرّ ، ويسرّ من حولى من الأموات.
__________________
(١) فى «م» : «جنازة».
(٢) فى «م» : «فاذكرونا».
(٣) فى «م» : «فأمّا الأموال».
(٤) فى «م» : «عليكم».
(٥) فى «ص» : «كل جمعة».