فترجّل وقال : يا سيدى ، ما عن اختيارى ركبت ، ولكن أمرنى الأمير بذلك.
ثم مضى راجلا وتفرّق موكبه ، وبلغ «خمارويه» ذلك ، فاستشاط غضبا وقال : علىّ ببنان ... فأحضر ، وقد جلس «خمارويه» فى منظرة مشرفة على قاعة ، وأرسل فيها سبعا عظيما كبيرا ، فأدخل بنان على السّبع ، ثم قال له «خمارويه» : يا بنان ، ما حملك على أن فعلت بوزيرى ما فعلت؟!
قال : أنت حملتنى على ذلك إذ كظمت من أمر الله تعالى بإذلاله وتحقيره.
فقال ـ وقد ألقى الله هيبته فى قلبه : يا شيخ ، لاتعد .. فقال (١) : «إن عدتم عدنا».
وأقبل السبع إلى «بنان» فجعل يدور حوله ويبصبص (٢) له ويلحسه بلسانه ، وينحّيه «بنان» عنه بكمّ جبّته ، يراعى الخروج عن اختلاف العلماء فى طهارة لعابه ونجاسته ... فقال له خمارويه لمّا شاهد ذلك منه : ألك حاجة؟ قال : نعم .. ألّا تبعث إلىّ حتى آتيك!
ثم خرج ـ رحمه الله ـ فقيل له : كنّا نراك حين ألقيت إلى السبع متفكرا .. فى أىّ شىء كنت تفكّر؟ قال : كنت أفكّر (٣) فى اختلاف العلماء فى سؤر السّباع (٤)!!
__________________
(١) فى «م» : «فقال يا شيخ».
(٢) يبصبص : يحرك ذيله طمعا أو ملقا.
(٣) فى «م» : «متفكرا».
(٤) السؤر : بقية الشيء ، والمراد هنا لعاب السبع. وإلى هنا ينتهى الساقط من «ص».