فلم يقدر أن يخرج منها بغلا ، حتى جاء إلى البغل الذي نفى عليه «الدينورى» فخرج معه ، فأركب عليه «بنان» (١)].
فاغتمّ من حضر من الناس ذلك المجلس. وكان فى الميناء (٢) سبع مراكب قد شحنت (٣) وهى تنتظر الريح ، فطلبوا رؤساء المراكب لحمله ، فقال كل واحد : والله لو ضرب عنقى ما حملته ، إلّا واحدا منهم ، قال : أنا أحمله.
فوجم الناس لذلك وأخذتهم كآبة عظيمة (٤). فرآهم «بنان» منكسرين فقال : قد وعدنى صاحب الريح ألّا تجرى فى هذه السنة جارية (٥)!
[قال : فو الله لقد أقامت المراكب إلى أن جاء الشتاء وحمل ما فيها وردّ إلى المخازن بالإسكندرية ، وما جرت فى تلك السّنة جارية](٦).
قال : ولمّا ولى مصر «النّوشرى» بدأ «بنان» يكثر الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، فقيل للنّوشرى : إنّ هذا لم يكن يجترئ أن يفعل ذلك (٧) فى الأيام الطولونية. فأرسل وقال له : لم فعلت هذا فى أيامنا ولم تفعله فى غير أيامنا (٨)؟ فقال «بنان» : فهل ترى لهم من باقية؟ فقال : اذهب وأمر بالمعروف وأنه (٩) عن المنكر وأنا من ورائك.
__________________
(١) ما بين المعقوفتين عن «م» وساقط من «ص».
(٢) فى «م» : «وكانت الميناء» وسقط حرف الجر «فى» منها.
(٣) فى «م» و «ص» : «أشحنت» لا تؤدى المعنى المراد.
(٤) فى «ص» : «فطلبوا ريسا من رؤسائها ليحمله ، فقال والله لو ضربت عنقى ما حملته ، فوجه خلف جماعتهم ، فقالوا مثل مقالته ، إلّا واحدا منهم ، فقال : أنا أحمله ، فوجم الناس وأخرسهم».
(٥) الجارية : السفينة أو المركب ، وكل ما يجرى على صفحة الماء.
(٦) ما بين المعقوفتين عن «ص» وساقط من «م».
(٧) فى «ص» : «يفعل مثل هذا» وفيها «النوشرى» بالتاء فى الموضعين والصواب بالنون ، وهو عيسى بن محمد النوشرى ، من ولاة الدولة العباسية ، ولاه المكتفى إمارة مصر سنة ٢٩٢ ه فلم يزل فيها إلى أن توفى بها سنة ٢٩٧ ه.
(٨) فى «ص» : «فدعا به وقال : لم لم تفعل هذا فى غير أيامنا؟».
(٩) فى «م» : «وانهى» لا تصح ، والصواب ما أثبتناه.