وخرج معه الجمّ الغفير ، وقدّم له بغل ، فلما أراد ركوبه (١) ، قال له بعض من حضر : ادع الله تعالى. فقال : «يا بنىّ ، هذا ليس وقت دعاء ، البلاء قد نزل ، والبغل قد قدّم (٢) ، هذا وقت رضا وتسليم»! وركب ، وبكى النّاس ، وودّعوه ورجعوا.
وقيل : إنّ البغل وقف يبول فى الرّمل ، فوقف أصحابه يبكون وينظرون إليه ، فقال لهم : «لا تيأسوا ، فإنّ الذي أنفذنا على هذا البغل يموت ، ويعمل له صندوق يحمل فيه إلى بيت المقدس ، ويدور البغل ويبول عليه ، وأركب البغل وأعود إليكم عليه ، إن شاء الله تعالى».
ففرحوا ، وجرى الأمر على ما قال ـ رحمة الله عليه ـ فما زال فى بيت المقدس حتى مات «تكين» ، وحمل فى تابوت على البغل الذي حمل عليه الشيخ إلى بيت المقدس. [ثم عاد الشيخ إلى مصر](٣).
وكانت له كرامات ومقامات معروفة ، وقد حدّث بمصر عن أهلها ، وعن أهل بلده. وكان من شأنه أنّ السّلاطين تهابه ، وكان الجنيد يعظّمه ويجلّه.
وقد كان للجنيد حاجة إلى السّلطان فقالوا له : نأخذ أبا الحسن معنا ، فقال لهم : إن ذاك رجل ليس فيه فضلة (٤) لمثل هذا. فتركوه.
وقال (٥) بعض المؤرخين ـ وهو الشريف محمد بن سعد الحرّانى الحسينى ، المعروف بالنّسّابة ـ رواية عن أبى حفص عمر بن محمد غزال ، أنه
__________________
(١) فى «ص» : «أن يركبه».
(٢) فى «ص» : «تقدّم».
(٣) فى «ص» : «وحمل تابوته إلى بيت المقدس» وقوله : «ثم عاد الشيخ إلى مصر» عن السخاوى.
(٤) فى «ص» : «ما فيه فضله». والفضلة ما بقى من الشيء.
(٥) من هنا إلى قوله : «كما آكل» عن «م» وساقط من «ص».