حتى أهل العلم ، لقد كنّا ندخل فى حلق (١) العلم فلا يقوم الرّجل منّا إلّا باكيا خاشعا ، وإذا عاد (٢) فى اليوم الثانى وجد قد ارتقى عن الحالة الأولى فى الحزن والكآبة».
ثم إنه خرج وانقطع عن الحضور ، ولازم العبادة إلى أن مات بالجوسق.
وكان فى ابتداء أمره مليح الصّورة ، حسن الهيئة ، وكان إذا مرّ افتتن النّساء بملاحته وحسن صورته ، فسأل الله تعالى أن يبتليه ببلاء يمنع من افتتان الناس به ، فابتلى ، رضى الله عنه ، فكان إذا مرّ أعرض (٣) النساء بوجوههنّ عنه ، فحمد الله تعالى على ذلك.
وكان له رجل يخدمه ، ويأتى إليه فى كل يوم بأوراق من مغاسل (٤) البقل ، فيطبخها بشىء من الملح ، ويقدمها له عند إفطاره ، فجاء له الخادم يوما بغير شىء ، فقال له : لم لم تأت بشىء؟ قال : رأيت فى طريقى جماعة من السودان يتحاربون ، فرجعت بغير شىء. فقال له : خذ هذه العكّازة وامض ، فإنّك تأمن من شرّهم. قال : فأخذ الخادم العكّازة ومضى ، ومرّ بينهم فلم يتعرّض له أحد بسوء ، فأخذ حاجة الشيخ ورجع سالما.
وحكى عنه القاضى الفاضل عبد الرحيم بن الحسن (٥) البيسانىّ حكاية عجيبة ، نقلها عنه أبو الحسن (٦) الكاتب. قال أبو الحسن : قال لى القاضى الفاضل ـ رحمه الله تعالى : هل لك فى زيارة القرافة؟ قلت : نعم ، سمعا وطاعة.
__________________
(١) حلق : جمع حلقة.
(٢) فى «م» : «دعاه» تحريف.
(٣) أعرض : صدّ وولّى. وفى «م» : «عرض».
(٤) مغاسل : جمع مغسل ، وهو موضع الغسل.
(٥) فى «م» : «ابن الحسين» وسيأتى بعد قليل.
(٦) فى الكواكب السيارة : «أبو الحسين» فى كل المواضع.