الثغر ، وكانت أمّه مقيمة ، فبلغه أنها باكية ، فرجع إليها مع رفقة (١) ، فخرج عليهم جماعة من الأعراب ، فقاتلهم أشدّ قتال وانتصر عليهم ، وخلّص من أيديهم أموالا حملها إلى المستعين (٢) ، فحسن مكانه عنده ، ووصله بجملة من المال ، ووهب له جارية ، هى أم ابنه «خمارويه» ، فلما خلع الأتراك المستعين أمروه بالرحيل (٣) إلى «واسط» وقالوا له : من تختار أن يكون فى صحبتك؟
فقال : أحمد بن طولون. فبعثوه ، فأحسن صحبته ، ثم كتب الأتراك إلى ابن طولون بقتل المستعين ، وقالوا : إن قتلته ولّيناك «واسطا» (٤). فقال : لا يرانى الله أقتل خليفة بايعته. فأنفذوا إلى المستعين سعيدا الحاجب فقتله ، وحمل رأسه إلى بغداد ، فدفن ابن طولون جثّته هناك بعد أن غسّلها ، وعاد إلى «سرّ من رأى» فزادت محبّته عند الأتراك ، واشتهر بحسن المذهب ، فولّوه مصر نيابة عن أميرها ، فلما دخلها قال : غاية ما وعدت على قتل المستعين ولاية «واسط» ، فتركت ذلك لأجل الله تعالى فولّانى مصر والشام.
وحكى بعض المتصوّفة أنه رأى أحمد بن طولون فى النوم بحالة حسنة وهو يقول : ما ينبغى لمن سكن الدنيا أن يحقر حسنة فيدفعها ، ولا سيئة فيأتيها ، عدل بى عن النار إلى الجنة بتثبيتى (٥) على متظلّم عىّ اللّسان ، شديد التّهيّب ، فسمعت منه وصبرت عليه حتى قامت حجّته ، وتقدمت بإنصافه ، وما فى الآخرة ـ على رؤساء الدنيا ـ أشدّ من الحجاب لملتمس الإنصاف.
وتوفى فى شهر ذى القعدة سنة ٢٧٠ ه. وقام بعده ولده «خمارويه».
وكان دخوله إلى دمشق لمّا غلب عليها وسار إليها من مصر فى سنة ٢٦٤ ه
__________________
(١) الرفقة : الجماعة المترافقون.
(٢) هو الخليفة العباسى أحمد بن محمد.
(٣) فى «م» : «فاحددوا» مكان «فأمروه بالرحيل» ، تحريف.
(٤) فى «م» : «واسط».
(٥) أى : بصبرى.