مثل : علمت الخبر ؛ أى : عرفته (١). وإن كان بمعنى : «انشقّ» لم ينصب مفعولا به ؛ مثل : علم البعير (٢) ، أى : انشقت شفته العليا ...
والفعل : «رأى» ينصب المفعولين إذا كان بمعنى : اعتقد وتيقّن ، أو : بمعنى : «ظنّ». وقد اجتمع المعنيان فى قوله تعالى عن منكرى البعث ويوم القيامة : «إنهم يرونه بعيدا ، ونراه قريبا» (٣). فالفعل الأول بمعنى : «الظن» ، والثانى بمعنى : اليقين. وكلاهما نصب مفعولين. وكذلك إن كان معناه مأخوذا من : «الحلم» (أى : دالا على الرؤيا المنامية) نحو : كنت نائما ؛ فرأيت صديقا
__________________
ـ زيادة أخرى عليه ، فهو لا يريد وصف الضيف بالقدوم. بخلاف من يقول : علمت من الرسالة الضيف قادما ، فإنه يريد اتصاف الضيف بالقدوم ، ولا يريد أنه علم حقيقة القدوم المنسوب إلى الضيف ، بشرط أن يكون الفعل «علم» فى هذا المثال ناصبا مفعولين. وقال الرضى : لا فرق بين الفعلين فى المعنى ، وإنما الفرق فى العمل فالفعل «علم بمعنى عرف» ينصب مفعولا واحدا ، والآخر ينصب مفعولين ، بالرغم من تساويهما معنى ؛ لأن العرب هى التى فرقت بينهما فى العمل دون المعنى ، فلا اعتراض عليها.
غير أن كلامه هذا ـ مع قبوله والارتياح له ـ مناقض لما قرره فى هذا الشأن فى باب : «كان» ـ كما نصوا على ذلك ـ والحق أن الخلاف بين الآراء السابقة يسير ، يكاد يكون شكليا ، ذلك أن بين الفعلين (المتعدى لواحد والمتعدى لاثنين) فرقا فى المعنى الحقيقى لا المجازى ، وأنه لا مانع من استعمال أحدهما مكان الآخر مجازا لسبب بلاغى.
(١) وإلى هذا يشير ابن مالك فى بيت متأخر ، نصه :
لعلم عرفان وظنّ تهمه |
|
تعدية لواحد ملتزمه |
(«لعلم عرفان» ؛ أى العلم المنسوب للعرفان ، ولمعنى العرفان. «ظن تهمه» ؛ أى : الظن المنسوب معناه للتهمة ..) يريد : أن «علم» بمعنى عرف ـ والمصدر : العلم ؛ بمعنى : العرفان ـ يتعدى لمفعول واحد. ومثله : الفعل : «ظن» بمعنى : اتهم ـ والمصدر : الظن ؛ بمعنى : الاتهام ـ ومثال الأول : اقترب الشبح فعلمت صاحبه ؛ أى : عرفته. ومثال الثانى : اختفى القلم ، فظننت اللص ؛ أى : اتهمته.
(٢) فهو أعلم. والناقة علماء. (والفعل من بابى : فرح وضرب).
(٣) المراد بالبعد هنا : عدم حصول الشىء ، ونفى وقوعه. وبالقرب : حصوله ووقوعه. وعلى هذا جرت ألسنة العرب وأساليبهم الفصيحة.