زيادة وتفصيل :
الحكم الرابع غير خاص بالأفعال القلبية وحدها ؛ فهناك بعض أفعال أخرى تشاركها فيه ؛ مثل : «رأى» البصرية والحلمية ، وهو كثير فيهما ، ومثل : «وجد» (بمعنى : لقى) ، وقد ، وعدم. وهو قليل فى هذه الثلاثة ، ولكنه قياسى فى الخمسة ، وفى غيرها مما نصّت عليه المراجع ؛ وليس عامّا فى الأفعال ؛ نحو : استيقظت فرأيتنى منفردا. ـ أخذنى النوم فرأيتنى جالسا فى حفل أدبىّ. ـ ساءلت نفسى فى غمرة الحوادث : أين أنا؟ ثم وجدتنى (أى : لقيت نفسى ، وعرفت مكانها) ـ فقدتنى إن جنحت إلى خيانة ، أو عدمتنى. ولا يجوز هذا فى غير ما سبق إلا ما له سند لغوى يؤيده. فلا يصح : كرمتنى ، ولا سمعتنى ، ولا قرأتنى ، وأشباهها مما لم يرد فى المراجع. إلا إن كان أحد الضميرين منفصلا ، فيجوز فى جميع الأفعال ، نحو : ما لمست إلا إياى ـ ما راقبت إلا إياى (١).
ويمتنع فى باب : «ظن وأخواتها» وفى جميع الأفعال الأخرى ـ اتحاد الفاعل والمفعول اتحادا معنويّا إن كان الفاعل ضميرا ، متصلا ، مستترا ، مفسّرا بالمفعول به ، فلا يصح محمدا ظنّ قائما ـ ولا عليّا نظر ؛ بمعنى : محمدا ظنّ نفسه ... وعليّا نظر نفسه ... لأن مفسر الضمير هنا : (أى : مرجعه) هو المفعول به. فإن كان الضمير الفاعل منفصلا بارزا صحّ ؛ فيقال : ما ظن محمدا قائما إلا هو ، وما نظر عليّا إلا هو ...
__________________
(١) «ملاحظة» : المفهوم من كلام النحاة أنهم يمنعون ما سبق من اجتماع الفاعل والمفعول به إذا كانا ضميرين ، متصلين ، متحدين معنى ـ بأن يكونا لمتكلم واحد ، أو لمخاطب واحد ـ ولا فرق فى هذا بين المفعول به الحقيقى ، والمفعول به التقديرى ، وهو الذى يتعدى إليه العامل بحرف جر ، إذ المجرور فى هذه الصورة مفعول به تقديرا. فيمتنع أن يقال : «أحضرتنى ، أو أحضرت بى» إذا كان الضميران للمتكلم. كما يمتنع أن يقال : أوثقتك ، وأوثقت بك إذا كان الضميران لمخاطب واحد.
لكن يعترض رأيهم فى المفعول التقديرى آيات كريمة متعددة ، منها قوله تعالى : (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ ..) وقوله تعالى : (وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ ..) وقوله تعالى : (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ) ولا عبرة بما يقوله «الصبان» نقلا عن «المغنى» من أن الآيات مؤولة على تقدير حذف مضاف ، كلمة «نفس» محذوفة ، وأن الأصل : هزى إلى نفسك ـ أضمم إلى نفسك ـ أمسك على نفسك ـ قاصدين بهذا التأويل أن توافق الآيات رأيهم ، مع أن الواجب أن يغيروا رأيهم ليوافق أفصح كلام عرفوه ؛ فلا علينا من اتباعه ، ومن شاء فليتأوله.