فالفاعل فى الأمثلة الثلاثة وأشباهها مجرور اللفظ ، مرفوع المحل ؛ بحيث لو جاء بعده تابع (كالعطف ، أو غيره من التوابع الأربعة) لجاز فى تابعه الرفع والجر ؛ ـ كما أسلفنا ـ ففى المثال الأول نقول : ما بقى من أنصار وأعوان (١) للظالمين ؛ بالجر والرفع فى كلمة : «أعوان» المعطوفة. وفى المثال الثانى نقول : كفى بالحق والأخلاق ... بجر كلمة : «الأخلاق» ورفعها. وفى الثالث هيهات لتحقيق الأمل والفوز ... بجر كلمة : «الفوز» ورفعها (٢).
ثانيها : أن يكون موجودا ـ ظاهرا ، أو مستترا ـ لأنه جزء أساسى (٣) فى جملته ؛ لا بدّ منه ، ولا تستغنى الجملة عنه لتكملة معناها الأصيل مع عامله ؛ ولهذا لا يصح حذفه.
__________________
(١) إذا كان المعطوف معرفة والمعطوف عليه مجرورا بمن الزائدة ؛ مثل : ما بقى من أنصار والجنود ـ وجب فى المعطوف الرفع فقط ـ كما يقول النحاة ـ لأن «من الزائدة لا تكون جارة زائدة إلا بشرطين ـ كما سيجىء فى ص ٤٧٦ ـ أن تكون مسبوقة بنفى أو شبهه ، وأن يكون المجرور بها نكرة. ولما كان المعطوف فى حكم المعطوف عليه ، ويعد معمولا مثله لحرف الجر الزائد : «من» ـ وجب عندهم أن يكون نكرة كالمعطوف عليه. فإن لم يكن نكرة مثله لم يصلح أن يكون معمولا للحرف «من» فلا يصح فيه الجر ، ويجب فيه الاقتصار على الرفع. وكذا إن كان المعطوف عليه نكرة وأداة العطف : «لكن» أو : «بل» ؛ لأن المعطوف بهما بعد النفى والنهى يكون مثبتا ؛ فلا يصح جره ؛ لأنه بمنزلة المجرور بالحرف «من» والمجرور به لا بد أن يكون نكرة منفية (راجع إيضاح الكلام على : «بل» و «لكن» فى ج ١ ص ٤٤٣ م ٤٣ وفى باب العطف جزء ٣).
هذا تلخيص كلامهم. وهو مناقض لما يقولونه فى مواضع مختلفة ؛ من أنه يغتفر فى الثوانى (أى فى التوابع ـ وأشباهها) ـ ما لا يغتفر فى الأوائل ـ راجع ص ٣١١ م ٨١ و ٤٩٠ ـ وبنوا على هذا أحكاما كثيرة ؛ فلا داعى هنا لخروجهم على ما قرروه ، وتشددهم وتضييقهم. والرأى تطبيق قاعدتهم السابقة على توابع الفاعل المجرور ؛ فيجوز فى توابعه الجر مطلقا ؛ مراعاة للفظ المجرور ، والرفع مراعاة لمحله. وليس فى هذا ضرر لفظى أو معنوى ، بل فيه تيسير ، وتخفيف ، وتقليل للتفريع.
(٢) وإلى ما سبق يشير ابن مالك بقوله :
الفاعل الّذى كمرفوعى : أتى |
|
زيد منيرا وجهه : نعم الفتى |
وقد اكتفى فى تعريف الفاعل بذكر أمثلة مستوفية للشروط هى : أتى زيد ... فكلمة «زيد» فاعل للفعل المتصرف : «أتى» وكلمة : «وجه» فاعل للوصف المشبه للفعل ؛ وهو : «منير» اسم فاعل. و «الفتى» فاعل للفعل الجامد : «نعم» فقد عدّد الفاعل تبعا لأنواع العامل.
(٣) الجزء الأساسى فى الجملة ، أو الأصيل ، هو : الذى لا يمكن الاستغناء عنه فى أداء معناها الأصلىّ ويسميه النحاة : عمدة. ومنه : المبتدأ ـ الخبر ـ الفاعل ـ كثير من أنواع الفعل ...