وكان يخشى فساد الإسلام وانتشار دين المقنع فى العالم أجمع. ودعى المقنع الأتراك وأباح لهم دماء وأموال المسلمين. وجاء من التركستان عساكر كثيرة طمعا فى النهب ونهبوا الولايات وكانوا يأسرون نساء وأبناء المسلمين ويقتلونهم. وقد ظهر فى بخارى لأول مرة جماعة المبيضة الذين كانوا من مبايعى المقنع وذهبوا إلى قرية يقال لها «نمجكت (١)» ودخلوا المسجد ليلا وقتلوا المؤذن مع خمسة عشر شخصا وقضوا على أهل القرية جميعا وكان ذلك فى سنة تسع وخمسين ومائة (٧٧٥ م).
وكان أمير بخارى حسين بن معاذ ، وكان من أكابر طائفة المقنع رجل من أهل بخارى اسمه الحكيم أحمد ، ومعه ثلاثة قواد آخرون اسم الأول «حشرى» والثانى «باغى» وكان هذان من «كوشك فضيل» ، وكان اسم الثالث «كردك» من «غجدوان (٢)» ، وكان كل هؤلاء الثلاثة مبارزين وعيارين وعدائين وشطارا (٣).
فلما قتلوا أهل القرية. وبلغ الخبر المدينة ، اجتمع أهل بخارى وذهبوا إلى الأمير وقالوا : لا بد لنا من محاربة هؤلاء المبيضة. فخرج حسين بن معاذ فى عسكره وقاضى بخارى عامر بن عمران فى أهل بخارى فى شهر رجب سنة تسع وخمسين ومائة (٧٧٥ م) وذهبوا حتى قرية «نرشخ» ويقال لها الآن «نراجق» وعسكروا أمامهم. وقال قاضى بخارى نحن ندعوهم إلى دين الحق وما ينبغى لنا أن نحاربهم ثم دخل القاضى القرية مع أهل الصلاح ليدعوهم إلى دين الحق ، فقالوا : نحن لا نفقه ما تقولون ، وازدادوا كل يوم كفرا ، ولم يقبلوا نصحا ، ومن ثم اشتبكوا فى الحرب. وكان أول من حمل عليهم رجل من العرب اسمه نعيم بن سهل ، حارب كثيرا وقتل عدة أشخاص وقتل آخر الأمر ، ونزلت الهزيمة بالمبيضة وقتل منهم سبعمائة رجل وفر الآخرون وانقضى اليوم. فلما أصبح الصباح بعثوا رسولا وطلبوا الأمان وقالوا أسلمنا ، فصالحوهم وكتبوا كتاب الصلح واشترط المسلمون عليهم أن
__________________
(١) هى بومسكت (Boumesseket) انظر حاشية ١ ص ٣٩.
(٢) غجدوان ـ بضم أوله وسكون ثانيه وضم الدال وآخره نون من قرى بخارى (معجم البلدان ج ٦ ص ٢٦٨).
(٣) ترجمة «طرّار» وكلمة طرّار تأتى بمعنى نشال ومحتال والشاطر هو المتصف بالدهاء والخباثة وهذا المعنى أنسب فى هذه العبارة.