مدة عامين كان الظفر يواتيه تارة ويواتى خصمه تارة أخرى ، وبعد العامين طلب إعفاءه ، وصار المسيب بن زهير الضبى فى مرو أميرا لخراسان فى جمادى الأولى سنة مائة وثلاث وسنين (٧٧٩ م) وجاء إلى بخارى فى شهر رجب وكان أمير بخارى جنيد بن خالد ، فأرسله أمير خراسان إلى خوارزم. وكان ببخارى قائد من قواد المقنع اسمه «كولارتكين» ذو عسكر وحشم خاض معه حروبا. وقد روى محمد بن جعفر أن خمسين ألفا من عسكر المقنع من أهل ماوراء النهر من الترك وغيرهم اجتمعوا بباب حصن المقنع. وسجدوا وتضرعوا وطلبوا منه المشاهدة فلم يتلقوا جوابا فألحوا وقالوا لن نعود حتى نرى طلعة مولانا. وكان له غلام اسمه «حاجب» فقال له المقنع قل لعبادى [ترب فوه] إن موسى طلب رؤيتى فلم أتجل إذ لم تكن له طاقة ، وكل من يرانى لا يطيق ويموت فى الحال ، فزادوا فى الضراعة والرجاء ، وقالوا : نريد الرؤية فإذا متنا فلا ضير. فوعدهم قائلا تعالوا فى اليوم الفلانى ، لأتجلى لكم. ثم أمر النساء اللواتى كن معه فى الحصن وكن مائة امرأة من بنات دهاقين السغد وكش ونخشب يحتفظ بهن معه ، وكانت عادته أنه حيثما كانت امرأة جميلة يرونها له فيأتى بها ويحتفظ بها معه ولم يكن معه فى الحصن غير هاتيك النساء وهذا الغلام الخاص. أما كل ما كانوا يحتاجونه من مأكول ، فكان باب الحصن يفتح كل يوم مرة ، وكان فى الخارج وكيل يعد كل ما يلزم فيطلبه الغلام ويدخله الحصن ، ثم يغلق باب الحصن ثانيا إلى اليوم التالى. ولم يكن أحد قط يرى وجهه القبيح لأنه كان يضع على وجهه قناعا أخضر. فأمر هاتيك النسوة بأن تمسك كل منهن مرآة وتصعد إلى سطح الحصن ويجعلن كل مرآة مقابل الأخرى حين يقع نور الشمس على الأرض ويمسكن جميع المرايا ويجعلنها متقابلة دون تفاوت وكان الخلق قد تجمعوا ، فلما سطعت الشمس على تلك المرايا امتلأ الفضاء نورا بانعكاسهما ، وعندئذ قال للغلام قل لعبادى ، بأن الله يتجلى بوجهه فانظروا ، فنظروا فرأوا كل الدنيا ممتلئة بالنور فخافوا وسجدوا جميعا مرة واحدة وقالوا : ربنا تكفى هذه القدرة والعظمة التى رأيناها وإذا نظرنا أكثر من هذا تنفطر مرائرنا. وظلوا هكذا ساجدين حتى أمر المقنع ذلك الغلام قائلا : قل لأمتى ، ارفعوا رؤوسكم