فى بخارى فى شهر رجب سنة خمس وعشرين وثلثمائة (٩٣٦ م) واحترقت جميع الأسواق ، وكانت بدايته من دكان طابخ هريسة (١) فى باب سمرقند حمل الرماد من تحت القدر وصعد به إلى السطح ليملأ به حفرة كانت على السطح (٢) ، وكان بين الرماد جمرة ولم يكن يعرف ، وحملها الريح وألقى بها على سياج من الشوك ، فاشتعل جميع السوق ، واحترقت محلة باب سمرقند بأجمعها. وكانت النار تسير فى الجو كالسحاب وقد احترقت محلة «بكار» وسقيفات (٣) السوق ومدرسة «فارجك» وسقف سوق «كفشكران» (أى الإسكافية) وسوق الصيارفة والبزازين وكل ما كان فى بخارى بأجمعها حتى حافة النهر ، وطارت شرارة فاشتعل مسجد ماخ واحترق جميعه وظل مشتعلا ليلتين ويوما وحار أهل بخارى فى أمره ورأوا كثيرا من العنت إلى أن أطفأوه فى اليوم الثالث. وظلت الأخشاب تحترق شهرا تحت التراب وخسر أهل بخارى أكثر من مائة ألف درهم ولم يستطيعوا أبدا بناء عمارات بخارى كما كانت.
وكانت سلطنة الأمير السعيد إحدى وثلاثين سنة وكان ملكا عادلا أعدل من أبيه ، وكانت شمائله كثيرة يطول شرحها إذا ذكرت جميعا ، وحين رحل عن الدنيا تولى ابنه نوح بن نصر الملك.
__________________
(١) الهريسة طعام يصنع من مسلوق لحم الخراف مع الحنطة وضربهما معا بعد استخراج العظام حتى يصبحا كالعجين ، ويفطر أهل بخارى على هذا الطعام فى الصباح بعد أن يضيفوا إليه الزبد. ويسمى هذا الطعام فى أفغانستان والتركستان «حليم» مع نطق الحاءهاء وينطقها أهل طشقند خاء.
(٢) من عادة أهل بخارى والتركستان أنهم يستعملون الرماد فى ملء ما قد يحدث من شقوق أو حفر أو ما شابهها فى سطوح المنازل التى تكون مبنية من الطين وذلك منعا لنفوذ ماء المطر.
(٣) تصغير سقيفة بفتح السين.