ذكر ولاية قتيبة بن مسلم وفتح بخارى
وقسمة ما وراء النهر بين العرب والعجم
لما صار قتيبة بن مسلم (١) أمير خراسان من قبل الحجاج (٢) جاء إليها وأخضع خراسان كلها ، وتم على يديه فتح طخارستان (٣) وعبر جيحون سنة ثمان وثمانين (٧٠٦ م) وعلم أهل بيكند (٤) بذلك فحصنوا المدينة وكانت فى غاية المنعة. وكانوا يسمون بيكند قديما شارستان (أى المدينة الكبيرة) وسموها «شارستان روئين» أى المدينة الصفرية لاستحكامها. وخاض قتيبة حروبا عنيفة جدّا ، وقد عانى المسلمون العجز مدة خمسين يوما وعاينوا المشاق وأعملوا الحيلة ، وحفر قوم أسفل الجدار والبرج ونفذوا إلى حظيرة للدواب داخل السور وحفروا الجدار وأحدثوا ثغرة ، ولم يكن المسلمون قد وصلوا إلى السور ونفذوا من الثغرة ، فصاح قتيبة بأن كل من ينفذ من الثغرة أعطيه ديته وإذا قتل أعطيها لأولاده ، حتى رغب كل واحد منهم فى الدخول واستولوا على الحصن.
__________________
(١) قتيبة بن مسلم بن عمرو بن الحسين الباهلى ـ أبو حفص (٤٩ ـ ٩٦ ه / ٦٦٩ ـ ٧١٥ م) أمير فاتح من مفاخر العرب ، كان أبوه كبير القدر عند يزيد بن معاوية وقد نشأ فى الدولة المروانية فولى الرى فى أيام عبد الملك بن مروان وخراسان فى أيام ابنه الوليد ، ووثب لغزو ماوراء النهر فتوغل فيها وافتتح كثيرا من المدائن كخوارزم وسجستان وسمرقند وغزا أطراف الصين وضرب عليها الجزية وأذعنت له بلاد ماوراء النهر كلها فاشتهرت فتوحاته واستمرت ولايته ثلاث عشرة سنة. وهو عظيم المكانة مرهوب الجانب ، ومات الوليد واستخلف سليمان بن عبد الملك وكان هذا يكره قتيبة ، فأراد قتيبة الاستقلال بما فى يده وجاهر بنزع الطاعة واختلف عليه قادة جيشه فقتله وكيع بن حسان التميمى بفرغانة. [الزركلى : الأعلام ج ٦ ص ٢٨].
(٢) الحجاج بن يوسف بن الحكم الثقفى (٤٠ ـ ٩٥ ه ـ ٦٦٠ ـ ٧١٤ م) وهو أشهر ولاة بنى أمية وأشدهم قسوة وبطشا بمخالفيهم وقد أبلى فى إخماد الفتن والفتوح بلاء عظيما وبنى مدينة واسط.
(٣) طخارستان : بالفتح وبعد الألف راء ثم سين ثم تاء مثناة من فوق ويقال طخرستان ، وهى ولاية واسعة كبيرة تشتمل على عدة بلاد وهى من نواحى خراسان وهى طخارستان العليا والسفلى. [ياقوت : معجم البلدان ج ٦ ص ٣١ ـ ٣٣] ـ ولاية كبيرة فى أعالى جيحون غربى بلخ (ياقوت).
(٤) انظر تعليقنا بصفحة ٣٤ حاشية ٢