ذكر بناء المسجد الجامع
بنى قتيبة المسجد الجامع داخل حصار (حصن) بخارى فى سنة أربع وتسعين (٧١٢ م) ، وكان ذلك الموضع بيت أصنام. فأمر أهل بخارى بأن يجتمعوا هنالك كل يوم جمعة ، فكان يأمر بمناد كل يوم جمعة يقول : بأن كل من يأتى لصلاة الجمعة أعطيه درهمين. وكان أهل بخارى فى أول الإسلام يقرأون القرآن فى الصلاة بالفارسية ، ولم يكونوا يستطيعون تعلم العربية. وحينما كان يحين وقت الركوع كان يقف وراءهم رجل يصيح فيهم «بكنيتا نكينت» (١) وحينما كانوا يريدون السجود. كان يصيح فيهم «نكونيا نكونى» (٢).
وقد ذكر محمد بن جعفر فى كتابه : أنه رأى مسجد بخارى الجامع وعليه أبواب ذات صور مكشوطة الوجه وقد ترك باقيها على حاله ، وقال : إنى سألت أستاذى من وضع هذه الأبواب أولا؟ وكان هناك رجل معمر فقال : سبب ذلك أنه كان يقال قديما بأنه كان خارج المدينة سبعمائة قصر كان يقيم بها الأغنياء وكانوا أكثر تمردا وأكثر الناس تخلفا عن الحضور إلى المسجد الجامع ، وكان الفقراء يرغبون فى الحصول على هذين الدرهمين ، ولكن الأغنياء لم يكونوا راغبين. وفى يوم جمعة ذهب المسلمون إلى أبواب تلك القصور ودعوهم إلى صلاة الجمعة وألحوا ، فكانوا (أى الأغنياء) يضربونهم بالحجارة من أسطح القصور ، فدارت الحرب وتغلب المسلمون ، واقتلعوا أبواب قصورهم وجاءوا بها ، وكان كل شخص قد نقش على تلك الأبواب صورة صنمه ، فلما اتسع المسجد الجامع استخدموا تلك الأبواب فيه ، وكشطوا وجوه الصور وتركوا بقيتها وأقاموها. ويقول أحمد بن محمد ابن نصر : قد بقى واحد من تلك الأبواب إلى اليوم فى ذلك الموضع الذى تنزل منه من السطح إلى باب المسجد الجامع حين تريد الذهاب إلى سراى أمير خراسان ، فتترك الباب الأول والباب الثانى من بقية تلك الأبواب ، وأثر الكشط ما يزال ظاهرا عليه. وذلك المسجد الذى فى داخل الحصار بناه قتيبة ، وكان الناس يصلون فيه ،
__________________
(١ ، ٢) هاتان العبارتان بلغة أهل بخارى ، ومفادهما طلب الركوع والسجود كما يفهم من السياق.