وعلى ذلك فالمراد من قوله سبحانه : ( وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَن نُؤْمِنَ حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ ) هو العلامة الدالة على أنّ الآتي بها مبعوث من جانبه سبحانه ، فتكون معجزة للناس وموجبة للتحدي.
ولو كان المراد الآية القرآنية لكان الأنسب بل المناسب أن يستعمل كلمة « النزول » بدل « المجيء » فيقال : وإذا نزلت عليهم آية ، مكان ( وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ ).
على أنّ الدقة في مضمون الآية والقرائن الحافة بها تعطي أنّ المقصود من لفظة الآية هنا هو غير القرآن ، غاية ما في الباب أنّ المشركين كانوا يريدون أن تكون المعاجز التي يأتي بها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم مثل المعاجز التي أتى بها موسى عليهالسلام مثلاً.
وأما علّة اختلاف الأنبياء في صنوف المعاجز ، فسيوافيك بيانها في الفصل القادم.
إنّ هناك آيات تصرّح بأنّ المشركين كلّما رأوا من الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم معجزة قالوا : إنّها سحر ، وهذا أدلّ دليل على ظهور معاجز ـ عدا القرآن ـ على يد النبي الأمين صلىاللهعليهوآلهوسلم.
أمّا هذه الآيات فمنها قوله سبحانه : ( وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ * وَقَالُوا إِنْ هَٰذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ ) (١) وكلمة ( رَأَوْا ) وتنكير لفظ ( آيَةً ) شاهدان على أنّ المقصود من الآية هو غير القرآن من المعاجز ، وإلاّ كان المناسب أن يستعمل ألفاظ « النزول » أو « السماع » أو غير ذلك ، مكان « الرؤية » ، أو تبديل النكرة
__________________
(١) الصافات : ١٤ ـ ١٥.