الواقع ، وليس عليه سبحانه أزيد من نصب الدلائل وإقامة البراهين ، فلو انّ القرآن يصف الأنبياء بقوله : ( فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ ) (١) ويصف نبيَّه بقوله : ( إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) (٢) ، فلا تهدف تلك الجملة إلاّ الإشارة إلى أنّ وظيفته الأساسية إنّما هي التبشير والإنذار المقترنين بالمعاجز الكافية ، وانّه لا يجب عليه أن يستجيب لطلب كل من اقترح عليه أمراً أو يطلب منه معجزة حسب هواه ، وليست هذه الأوصاف نافية لأصل المعاجز من رأسها.
الثانية : انّما يصح قيام النبي بالإتيان بالمعجزة المطلوبة منه إذا تعلّق الطلب بالأمر الممكن لا المستحيل ، لأنّه خارج عن إطار القدرة ، فعند ذلك لو طلب من النبي رؤية الله سبحانه جهرة ، أو ولوج الجمل في سم الخياط ، فالسؤال ساقط من أساسه لاستحالة الموضوع.
الثالثة : إنّما يجب على النبي القيام بالإتيان بالمعاجز المطلوبة المقترحة عليه من قبل الناس ، إذا كانت بين الطالبين بها جماعة مستعدة للانضواء تحت لواء الحق بعد أن شاهدوا المعجزة ، وأمّا لو كانوا يطالبون بها ويقترحوها عناداً ولجاجاً ، ومع ذلك يصرون على كفرهم وإنكارهم حتى لو أُتي بمطلوبهم ، فلا يجب على النبي الإجابة لدعوتهم لأنّ الإتيان بالمعاجز في هذه الحالة يعد أمراً لغواً وعبثاً ، وذلك لأنّ الهدف من المعاجز أحد أمرين :
الأوّل : سوق الناس إلى الله سبحانه عن طريق الإيمان بنبوة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ورسالته ، والمفروض أنّ تلك الغاية منتفية في المقام ، لأنّ الطالبين بالمعاجز يشكّلون جماعة متعنتة ومعاندة فلا يؤمنون وان أُتي بأضعاف ما يريدون ويطلبون.
__________________
(١) البقرة : ٢١٣.
(٢) الرعد : ٧.