ولكنها تقيد تنفيذ النبي وتصرفه بإذنه سبحانه ، فالأولياء وفي طليعتهم الأنبياء لا يشاءون إلاّ ما شاء الله ولا يخرجون عن إطار مشيئته سبحانه.
فلو رأينا أنّ النبي قد رفض بعض المقترحات ، فإنّما هو لأجل هذا السبب ، فلم يكن إذن من الله سبحانه بالقيام بتلك المعاجز المقترحة ، وعدم إذنه سبحانه لأجل كون عمل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لغواً لا يترتب عليه أثر من هداية السائلين أو إتمام الحجة على المغرضين ، إذ المفروض أنّ السائلين ليسوا في مقام الاهتداء ، والحجة قد تمت على المغرضين من قبل ، ولأجل ذلك ليست هناك غاية صحيحة تبعث النبي إلى القيام بالمعاجز.
الخامسة : انّ الهدف الأسمى من الإعجاز هو هداية الناس إلى الطريق المستقيم ، فلو كانت نتيجة الإعجاز إفناء الناس وإهلاكهم ، لما صحّ في منطق العقل القيام بتلك الدعوة ، فلو طلبوا من الرسل أن يخسف الله بهم الأرض أو يسقط عليهم السماء كسفاً أو يبيدهم العذاب من وجه الأرض ، فلا يصحّ القيام بذلك الطلب ، لأنّ في إجابته نقضاً للغرض وإفناءً للهدف ، وهم عليهمالسلام قد بعثوا لهداية الناس لا لإبادتهم وإهلاكهم ، وسوف يلمس القارئ أنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لو امتنع في بعض المواقف عن القيام ببعض المقترحات فقد كان لأجل ذلك الأصل الذي دلّ العقل على رصانته.
السادسة : قد دلّت الآيات الكريمة على أنّ هناك معاجز لو طلبها الناس من نبيهم وقام هو بمقترحهم ومع ذلك قد رفضوا الاعتناق بدينه والتصديق برسالته ، سيصيبهم العذاب الأليم ، قال سبحانه : ( وَمَا مَنَعَنَا أَن نُرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلا أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلا تَخْوِيفاً ) (١).
__________________
(١) الإسراء : ٥٩.