السماء مكتوباً كما كانت التوراة مكتوبة من عند الله في الألواح ـ إذ على هذا الوجه ـ لفاتت المصالح المترتبة على نزول القرآن تدريجياً ، فإن لنزول القرآن نجوماً عللاً وغايات أُشير إليها في الكتاب العزيز ، كما أُشير إلى اعتراض المشركين بأنّه لماذا لا ينزل عليه القرآن جملة واحدة ، قال سبحانه ، ( وَقَالَ الَذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ القُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً * وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلا جِئْنَاكَ بِالحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً ) (١). إذ في نزول القرآن نجوماً أسرار قد أُشير في الآية إلى واحد منها وهو تثبيت فؤاد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فنزول القرآن مكتوباً مرّة واحدة يوجب فوات فوائد موجودة في النزول التدريجي ، وإليك بعض هذه الأسرار والفوائد :
إنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يتحمل مسؤولية ضخمة جداً ، وكان يواجه في هذا السبيل صعوبات ومشقات ، كان لا بد له من إمداد غيبي غير منقطع ، ونجدة إلهية متصلة ، ولهذا كان نزول الوحي تدريجياً موجباً لتسلية النبي وتقوية روحه وعزيمته ، وإلى هذا أشارت الآية : ( كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ ) (٢).
إنّ صعوبة مهمة التعليم كانت تقتضي أن يتنزّل القرآن شيئاً فشيئاً ليسهل تعليمه للناس ، وإلقاؤه إليهم ، كيف لا ؟! والنبي طبيب يعالج النفوس ويداوي الأرواح ، وذلك يقتضي التدرّج في العلاج.
__________________
(١) الفرقان : ٣٢ ـ ٣٣.
(٢) الفرقان : ٣٢.