والاستدلال بهذه الآية على نفي المعجزة من غرائب الاستدلالات إذ ليس في الآية أيُّ إشعار بذلك فضلاً عن الدلالة والتصريح ، بل مفاد الآية ومرامها كمفاد الآية الثامنة والثلاثين من سورة الرعد ، أعني قوله سبحانه : ( وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ ).
وعلى ذلك فالآيتان تدلاّن على أنّ الإعجاز ليس في اختيار النبي حتى يقوم به كيف شاء ، أو كيف ما شاءوا ، بل يقتفي في ذلك إذن الله سبحانه ، وهو موقوف على توفر شرائط غير موجودة إلاّ في ظروف قليلة.
على أنّ من المحتمل جداً أن يكون المراد من الآية هي الآيات التي تنصر الحق ، وتقضي بين الرسول وأُمّته وتلك أعم من الإعجاز ، أعني : النصر في الحروب والظروف القاسية ، ويؤيد ذلك ذيل الآية ، أعني : قوله : ( فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللهِ قُضِيَ بِالحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ المُبْطِلُونَ ) أي إذا جاء أمر الله بالعذاب قضي بالحق فأُظهر الحق وأُزهق الباطل ، وخسر عند ذلك المتمسكون بالباطل في دنياهم بالهلاك وفي آخرتهم بالعذاب الدائم.
وأنت أيها القارئ الكريم إذا أمعنت في هذه الآيات وما تشابهها في الهدف والمفاد تقف على أنّ هذه الآيات لا تهدف إلى ما يرميه الخصم المعاند الذي يكن للإسلام ونبيه حقداً وعداوة ، ويمهد الطريق للغزو الفكري وزعزعة القلوب عما اعتقدت به.
فإنّ هذه الآيات تهدف إلى حقيقة ناصعة هي من أجلى الحقائق القرآنية وهي أن للإتيان بالمعجزة قوانين وضوابط ، وانّه يتوقف على توفر شرائط أشرنا إليها في مستهل البحث الحاضر ، فلو فقدت واحدة من هذه لما صح للنبي القيام