٢
الشفاعة في القرآن الكريم
قد وردت مادة الشفاعة ـ بصورها المتنوعة ـ ثلاثين مرّة في سور شتى ، ووقعت فيها مورداً للنفي تارة ، والإثبات أُخرى ، هذا وكثرة الورود والبحث عنها ينم عن عناية القرآن بهذا الأصل ، سواء في مجال النفي أو في مجال الإثبات.
غير أنّ الاستنتاج الصحيح من الآيات يحتاج إلى جمع الآيات في صعيد واحد ، حتى يفسر بعضها ببعض ، ويكون البعض قرينة على الأخرى ، إذ من الخطأ الواضح أن نقتصر في تفسير الشفاعة وأخواتها بآية واحدة ، ونغمض العين عن أُختها التي ربّما يمكن أن تكون قرينة للمراد ، وهذا الاسلوب أي البحث عن آية بمفردها مع الغض عن أُختها جرّ الويل والويلات على الباحثين في الأبحاث القرآنية ، وأدّى إلى ظهور مذاهب مختلفة في المعارف والعقائد ، بحيث نرى أنّ صاحب كل عقيدة يستدل على اتجاهه بآية قرآنية ، أو بنص نبويّ ، غير أنّه أخطأ في الاعتماد على آية قد جاء توضيحها في آيات أُخرى ، وهذا النبي الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : « إنّ القرآن يصدق بعضه بعضاً » ويقول أيضاً : « إنّ القرآن لم ينزل ليكذب بعضه بعضاً ، ولكن نزل أن يصدق بعضه بعضاً » وقال أيضاً : « إنّما هلك من كان قبلكم بهذا ضربوا كتاب الله بعضه ببعض ، وانّما نزل كتاب الله يصدق بعضه بعضاً ، فلا تكذبوا بعضه ببعض ، فما علمتم منه فقولوا وما جهلتم فكلوه إلى عالمه » (١).
__________________
(١) الدر المنثور : ٢ / ٦.