وعلى الجملة : إنّ انقلاب المخالة إلى العداوة لأجل ما جاء في قوله سبحانه : ( لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ ) فهذه العلّة منتفية في حق المتقين ، فأواصر الرفاقة باقية في يوم القيامة.
وعلى ذلك فكما أنّ المنفي هو قسم خاص من المخالة دون مطلقها ، فهكذا الشفاعة ، فالمنفي بحكم السياق قسم خاص من الشفاعة.
أضف إلى ذلك أنّ الظاهر هو نفي الشفاعة في حق الكفّار بدليل ما ورد في ذيل الآية حيث قال : ( وَالكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) أفبعد هذه الوجوه الثلاثة يصح لنا أن نجعل الآية دليلاً على انتفاء الشفاعة من أصلها يوم القيامة ؟ كلا.
هذا الصنف من الآيات ـ الذي ستوافيك نصوصه ـ يهدف إلى نفي عقيدة اليهود في الشفاعة حيث كان لهم في هذا المجال عقيدة خاصة كشفت عنها الآيات القرآنية ، وكانوا يعتقدون بأنّهم الشعب المختار ، وهم أبناء الله وأحباؤه ، قال سبحانه حاكياً عنهم : ( وَقَالَتِ اليَهُودُ وَالنَّصَارَىٰ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ ) (١).
كانوا يعتقدون بأنّ الأواصر القومية القائمة بينهم وبين أنبيائهم هي التي تنجيهم وتدخلهم الجنة ويكفي في ذلك مجرّد الانتماء القومي والنسبي إلى أنبيائهم ، حيث قالوا : ( وَقَالُوا لَن يَدْخُلَ الجَنَّةَ إِلا مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ ) (٢).
وقد بلغت مغالاتهم في هذا المجال إلى درجة أنّهم زعموا أنّهم لا تمسهم النار إلاّ أياماً معدودة ، قال سبحانه حاكياً عنهم : ( لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّاماً مَعْدُودَةً ) ولأجل ذلك نرى أنّه سبحانه يرد على تلك المزعمة في ذيل تلك الآية
__________________
(١) المائدة : ١٨.
(٢) البقرة : ١١١.