فإنّما تنفيها عن غيره تعالى بالاستقلال في الملك ، والآيات المثبتة تثبتها لله سبحانه بنحو الأصالة ، ولغيره تعالى بإذنه وتمليكه ، فالشفاعة ثابتة لغيره تعالى بإذنه (١).
بقيت هنا نكتتان :
١. انّ الظاهر من الاستثناء الوارد في الآيات المتقدّمة ، أعني قوله سبحانه : ( إِلا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَٰنِ عَهْداً ) وقوله : ( إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَٰنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً ) وقوله : ( إِلا مَن شَهِدَ بِالحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) انّها بصدد بيان شرائط الشفعاء ، ويؤيد هذا القول قوله سبحانه : ( مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلا بِإِذْنِهِ ) غير أنّه ربّما يحتمل أن يكون المراد منه هو المشفوع له ، ويكون مآل الآيات إلى أنّ الشفاعة لا تجدي إلاّ في حق من اجتمعت فيه هذه الشروط.
٢. انّ الشفيع المأذون ليس له أيّة استقلالية ولا أصالة في أمر الشفاعة ، بل هو مظهر لإجراء أمره سبحانه وإرادته ومشيئته ، ولأجل ذلك نرى أنّ القرآن ينفي وجود الشفيع المطاع بتاتاً ، حيث يقول : ( مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ ) (٢). وذلك لأنّ الشفيع ليس صاحب إرادة ومشيئة ، فهو مطيع لأمر الله مأذون من جانبه لا مطاع.
ويتضمن هذا الصنف أسماء وخصوصيات من تقبل شفاعته يوم القيامة ، وإليك هذه الآيات :
١. ( وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَٰنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ
__________________
(١) الميزان : ١ / ١٥٨ ـ ١٥٩.
(٢) غافر : ١٨.