غفوراً ورحيماً لما أمر بقطع أيديهما ؟! قال الأصمعي : ففتحت القرآن فرأيت انّ في قراءتي لحناً والصحيح ( عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) ووقفت بأنّ الأمر بقطع الأيدي لا يصح أن يقع مظهراً لرحمته وغفرانه ، بل هو مظهر لعزّه وحكمته.
هذه المرأة الربيبة في البادية تشير بكلامها إلى ما أدركه الفلاسفة في ضوء البراهين من أنّ لله سبحانه أسماء وصفات ، ولكلٍّ منها تجلّ خاص ، فكما أنّه يتجلّى في كل مجال من التكوين باسم خاص ، فهكذا عالم التشريع يتجلّى في كل حكم بما يناسبه من الاسم ، فالمناسب لقطع يد السارق هو التجلّي باسم العزة والحكمة لا الغفران والرحمة ، لأنّ كل تجلّ يتناسب مع اسم خاص.
والعجب انّ القائل استدل على ما يهدف إليه من الإشكال من عدم تطرق التحول والتبدل في سنن الله بقوله سبحانه : ( هَٰذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ * إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الغَاوِينَ ) (١) مع أنّ الآية تهدف إلى أمر آخر ، ويفسره قوله سبحانه : ( وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ) (٢).
وكلتا الآيتين تهدفان إلى أنّ طريقه سبحانه صراط مستقيم لا تجد فيه عوجاً ولا أمتا ، وهذا بخلاف ما يدعو إليه الشيطان فإنّ فيه كل الاعوجاج.
إنّ تشريع الشفاعة يجر إلى التمادي في العصيان والتعدّي والاستمرار في العدوان ، وانّ المجرم حسب اعتقاده بالشفاعة سيستمر على عدوانه رجاء غفران
__________________
(١) الحج : ٤١ ـ ٤٢.
(٢) الأنعام : ١٥٣.