هذه الإبهامات الثلاثة يبقى مجال لأن يعول المجرم على الشفاعة أو يتمادى في المعصية ؟!
إنّ غاية ما في الشفاعة أنّها بصيص من الرجاء ونافذة من الأمل فتحه القرآن في وجه العصاة حتى لا ييأسوا من روح الله ، ورحمته ، وأن لا يغلبهم الشعور بالحرمان من عفوه فيتمادوا في العصيان.
الشفاعة المعروفة عند الناس هي أن يحمل الشافع المشفوع عنده على فعل أو ترك أراد غيره ـ حكم به أم لا ـ فلا تتحقق الشفاعة إلاّ بترك الإرادة وفسخها لأجل الشفيع ، فأمّا الحاكم العادل فإنّه لا يقبل الشفاعة إلاّ إذا تغير علمه بما كان أراده أو حكم به ، كأن كان أخطأ ثم عرف الصواب ورأى أنّ المصلحة أو العدل في خلاف ما كان يريده أو حكم به ، وأمّا الحاكم المستبد الظالم فإنّه يقبل شفاعة المقربين عنده في الشيء وهو عالم بأنّه ظالم وانّ العدل في خلافه ، ولكنّه يفضل مصلحة ارتباطه بالشافع المقرب عنده على العدالة ، وكل من النوعين محال على الله تعالى ، لأنّ إرادته تعالى على حسب علمه وعلمه أزلي لا يتغير (١).
وحاصل الإشكال : انّ قبول الشفاعة يستلزم أحد أُمور ثلاثة :
١. أمّا أن يكون الحاكم في حكمه الأوّل جائراً عالماً بذلك.
٢. أن يكون الحاكم في حكمه الأوّل جائراً غير عالم به.
٣. أن يكون الحاكم في حكمه الأوّل عادلاً لكنه يعدل عن هذا الحكم على خلاف المصلحة ونزولاً عند رغبة الشفيع.
__________________
(١) تفسير المنار : ١ / ٣٠٧.