محكوم بالحكم الأوّل ، ولكنه منضماً إلى هذه الضمائم الثلاث محكوم بالمغفرة ، فإذا أردت أن تمثل لتبيين حقيقة الشفاعة فعليك انّ تقول : إنّ نسبة الحكم الثاني إلى الحكم الأوّل ليس كنسبة الحكم الصادر عن محكمة الاستئناف بالنسبة إلى حكم المحكمة الابتدائية الذي يعد الثاني ناقضاً للحكم الأوّل ، بل هو من قبيل الحكم الصادر في حق المجرم إذا جلب رضا المشتكي بالنسبة إلى الحكم الصادر في حقه قبل جلب رضاه ، فالاختلاف والتفاوت في الحكم لأجل الاختلاف في الموضوع.
وعلى ذلك فلابد أن يقال انّ الشفاعة لا توجب اختلافاً في علمه وتغييراً في إرادته ، كما لا توجب أن يكون أحد الحكمين مطابقاً للعدل والآخر مطابقاً للجور ، بل الحكمان صادران عن مصدر العدل على وفقه.
ما أشار إليه الشيخ محمد عبده أيضاً حسب ما نقله عنه تلميذه السيد محمد رشيد رضا : ليس في القرآن نص قطعي على وقوع الشفاعة ، ولكن ورد الحديث بإثباتها (١).
هذا ويمكن تقرير الإشكال بوجه آخر فنقول : لقد نفيت الشفاعة في بعض الآيات على وجه الإطلاق قال سبحانه : ( أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ ) (٢) كما نفى في بعض الآيات نفع شفاعة الشافعين كقوله ( فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ ) (٣) ، وقد علّقت في بعض الآيات على إذنه سبحانه وارتضائه قال سبحانه : ( مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلا
__________________
(١) تفسير المنار : ٧ / ٢٧٠.
(٢) البقرة : ٢٥٤.
(٣) المدثر : ٤٨.