وكون الآية محتاجة إلى التفسير لا يكون دليلاً على كونها من الآيات المتشابهة ، فإنّ كثيراً من الآيات لابتعادنا عن عصر نزولها تحتاج إلى التفسير ، وكم من آية وآيات كتبت حولها رسالة أو رسائل ، ومع ذلك لم تعد واحدة منها من الآيات المتشابهة.
إنّ المراد من الآيات المتشابهة ما أحاط بها الإبهام حول المراد منها فاشتبه المقصود الواقعي بغيره وهذا الميزان لا ينطبق إلاّ على قليل من الآيات.
ثم إنّ كون الآية من الآيات المتشابهة لا يستلزم ترك البحث فيها وعدم الاستفادة منها ، بل الآيات المتشابهة تفسر بالآيات المحكمة بحكم أنّها أُمّ الكتاب وأصل للمتشابهات قال سبحانه : ( هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ) (١) فإنّ قوله سبحانه في شأن الآيات المحكمة بأنّها أُمّ الكتاب يعرب عن كونها هي الأصل وإنّ المتشابهة هي الفرع ، ورد المتشابه إلى المحكم كرد الفرع إلى الأصل.
وقد عرفت في صدر البحث مجموع الآيات الواردة حول الشفاعة وانّه ليست هناك آية أحاط بها الإبهام وامتنعت على الفهم ، وعلى فرض وجودها لم توجد آية لا يمكن رفع إبهامها بأُختها ، أو بالأحاديث الواردة حولها (٢).
__________________
(١) آل عمران : ٧.
(٢) ما ذكره « من أنّ مذهب السلف في المتشابهات يقضي بالتفويض والتسليم » مبني على ما اختاره في تفسير الآيات المتشابهة من أنّها عبارة عن المفاهيم الواردة في القرآن ، التي لا يمكن أن يقف على حقيقتها إلاّ الله سبحانه كحقيقة ذاته وصفاته وأفعاله من الجنّة ونعيمها والجحيم ونارها إلى غير ذلك.
غير انّ تفسير الآيات المتشابهة بهذا المعنى مردود أساساً ، وقد أوضحنا الكلام في حقيقة الآيات المتشابهة في محلها وقلنا : إنّها ليست إلاّ عبارة عن الآيات التي يشتبه فيها المراد بغير المراد والحق بالباطل ويزاح الستر عن وجه الحق ، بالآيات المحكمة ، ولأجل ذلك يصف القرآن الكريم ، الآيات المحكمة بأنّها « أُم الكتاب » وأُسسه.