وأغلب الظن انّ الباعث على وصف هذه الآيات الواضحة الدلالة والمراد بكونها من المتشابه هو تأثر الأستاذ صاحب المنار وتلميذه بالموجة الوهابية ، فهو الأمر الذي دفعهما إلى حمل هذه الآيات محمل المتشابه ، والإعراض عن الأخذ بمدلولاتها الظاهرة الصريحة.
ولعل جعل صاحب المنار آيات الشفاعة من الآيات المتشابهة ورميها بهذا الوصف لأجل الإشكال الذي سوف نذكره ، وهو تخيل انّ الشفاعة التي جاء بها القرآن نوع من الوساطة المتعارفة في الحياة المادية بين الناس ، وسنطرح هذا الإشكال ودفعه من الأساس.
ربّما يتخيل بأنّ الشفاعة نوع من الوساطة المتعارفة بين الناس ، ويجب تنزيه المقام الإلهي من هذا النوع من الوساطة ، وتوضيحه : انّ الخارج على القانون في الحياة الاجتماعية إذا حكم عليه بضرب من العقوبة المالية أو البدنية يبعث من له مكانة عند الحاكم حتى يقوم بالوساطة عنده ويبعثه على العفو والإغماض عن معاقبته ، فتصبح النتيجة أن يجري القانون على من يفقد مثل هذه الوساطة ولا يجري على من يجدها ، وهذا من الظلم الفظيع السائد في الأنظمة البشرية ، ويجب تنزيه الشريعة الإسلامية المقدسة عن قبول هذا النوع من الوساطة.
الجواب
إنّ الأساس لهذا الإشكال هو قياس الشفاعة الواردة في الكتاب العزيز على الشفاعة الدارجة في الحياة الاجتماعية للبشر.
ولو كان معنى الشفاعة هذا فقد رفضه القرآن أشد الرفض ، إذ هذا النوع