راحوا يطلبون من أبيهم استغفاره في حقّهم فلمّا سمع هو دعوتهم ، وعدهم بالانجاز قال سبحانه : ( قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ * قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ ) (١).
وهذه الآيات ونظائرها ترشد الباحث على أنّ للأمور المعنوية وتحقّقها نظاماً على غرار النظام السائد في الأمور المادية. ولأجل ذلك لا يصح للقارئ الكريم أن يتعجب من وصول فيضه ومغفرته سبحانه يوم القيامة إلى عباده المستحقين لها عن طريق الشفعاء ، وأوليائه المخلصين.
أضف إلى ذلك أنّ في استجابة دعوة الأولياء ( الذين لا يدعون ولا يطلبون شيئاً مخالفاً للعدالة الإلهية ، ومشيئته الحكيمة ) نوع تكريم وتبجيل لهم ولمقامهم ، ونوع إشادة بهم ، وإظهار لفضلهم.
نعم هؤلاء الكرام البررة لا يطلبون فيضه وغفرانه إلاّ لمن استحقها ، وهو من لم يقطع صلته الإيمانية بالله وعلاقته الروحية مع أوليائه ، وشفعائه. وإذا أردت أن تقف على الفرق الكبير والواضح بين الشفاعتين ( الشفاعة السائدة في الجماعات المادية والشفاعة القرآنية ) فاستمع لما نتلوه عليك من الفروق الموجودة في الشفاعتين :
أوّلاً : أنّ زمام الشفاعة التي نطق بها القرآن بيد الله سبحانه ، فهو الذي يبعث الشفيع ـ لما فيه من الكمال والمعنوية ـ حتى يشفع في حق المجرم الذي له صلاحية المغفرة ، فتصبح النتيجة أنّ رحمته الواسعة ومغفرته العميمة تصل من طريق الشفيع إلى عباده ، فعلى ذلك فالأمور كلها بيده ، وناشئة منه ، وراجعة إليه ،
__________________
(١) يوسف : ٩٧ ـ ٩٨.