رحمته ، بل لأجل عدم لياقته لها ، فلو أنّ الله سبحانه يقول في حق المشرك : ( إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ ) (١) فليس ذلك إلاّ لأنّ قلب المشرك كالوعاء المسدود لا يتسرب إليه شيء حتى لو غمس في سبعة أبحر لما تسرب إليه الماء ، أو هو كالأرض المالحة التي لا ينبت فيها شيء ولو أنّ القرآن يصر على أنّ الشفاعة لا تتحقق إلاّ بإذنه سبحانه للشفيع وارتضائه للمشفوع له ، فليس ذلك إلاّ لأجل أنّ المرضي هو اللائق دون غيره ، فلو حرم المشرك من شفاعة الأنبياء أو حرم بعض العصاة منها فليس ذلك إلاّ لعدم لياقتهم لهذا الفيض.
إنّ المراد من الشفاعة هو الشفاعة القيادية وانّ الأنبياء والأولياء يوصلون عباد الله إلى الفوز والسعادة عن طريق الوحي وتبليغ الرسالة ، فإطلاق الشفاعة على هذا الأمر لأجل أنّ انضمامهم إلى الوحي الإلهي يمهد الطريق إلى السعادة والنجاة. وهذا الإشكال مما أثاره المفسر المعاصر الشيخ الطنطاوي في تفسيره وقام بتفسير الشفاعة بذلك ، وإليك نص كلامه : « وفي الحديث يشفع يوم القيامة ثلاثة : الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء ، فهذا يفيد أنّ الشفاعة تابعة للاقتداء ، فالأنبياء علّموا العلماء ، والعلماء علّموا الناس ، وأفضل الناس بعد الأنبياء ، العلماء ، فالشهداء ، فمن لم يعمل بما أنزل الله وتجافى عن الحق فقد عطل ما وهب له من بذر الشفاعة ولم يسقه ولم يربه ولم ينمه بالعمل ، فيحرم ثمرته مع أنّه ساوى جميع المسلمين في حصول البذر عنده وخالفهم في قعوده عن استثماره » (٢).
__________________
(١) النساء : ٤٨ و ١١٦.
(٢) الجواهر في تفسير القرآن الكريم : ١ / ٦٥ ، وقد مضى بعض عباراته عند نقل كلمات العلماء.