عن طريق الشفعاء يستلزم محدودية فيضه ورحمته بحيث يكون دعاء الشفيع وسيلة لتوسعتها وانبساطها.
الجواب
إنّ الإشكال بكلا التقريرين ساقط من الأساس ، فإنّ الإشكال مبني على تفسير الشفاعة بالواسطة المتعارفة في الحياة البشرية ، وأمّا على ما ذكرنا من معنى الشفاعة في القرآن من أنّه عبارة عن وصول رحمته وغفرانه إلى عباده من طريق أوليائه فلا وجه له لما قررنا من الفوارق الثلاثة بين الشفاعة القرآنية والشفاعة بمعنى الوساطة العرفية ، وقلنا : إنّ واقع الشفاعة القرآنية هو انّه سبحانه يبعث الشفيع على الدعاء والشفاعة وهو الذي يأذن له ويرتضي من يشاء من عباده وليس للشفيع هنا أيّ دخالة ، أفبعد ذلك يصح للقائل أن يقول إنّ معنى الشفاعة هو كون الشفيع أشد رأفة بالعباد من الله سبحانه ؟!
وأمّا التقرير الثاني فهو غفلة عمّا جرت عليه مشيئته سبحانه ، فإنّه جرت السنة الإلهية على إيصال المسببات عن طريق أسبابها ، فقد جعل لكل شيء سبباً من دون أن يقوم هو سبحانه بنفسه مكان الأسباب والعلل ، ولو صح ما زعمه المستشكل لزم أن يكون الاعتقاد بتأثير الأسباب الطبيعية في مسبباتها تحديداً لقدرته ورحمته إذ لولا هذه الأسباب ، لما وصلت فيوضاته المادية إلى الإنسان.
انّ الاعتقاد بالشفاعة وتأثير دعاء الشفيع وطلبه في رفع العقوبة ، أو في ارتفاع الدرجة ، يتناقض مع الأصل الذي أسّسه القرآن الكريم حيث جعل مصير كل أحد قيد عمله ورهن سعيه ، قال سبحانه : ( وَأَن لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلا مَا