العبادة في الآية بلفظ الدعوة في صدرها وبلفظ العبادة في ذيلها ، وهذا يكشف عن وحدة التعبيرين في المعنى ، وقد مر قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « الدعاء مخ العبادة ».
والجواب بوجوه : أوّلاً : أنّ المراد من الدعاء في قوله تعالى : ( فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً ) ليس مطلق دعوة الغير بل الدعوة الخاصة المحدودة المرادفة للعبادة ، ويدل عليه قوله سبحانه في نفس هذه الآية ( وَأَنَّ المَسَاجِدَ للهِ ).
وعلى ذلك فيكون المراد من النهي عن دعوة الغير هو الدعوة الخاصة المقترنة بالاعتقاد بكون المدعو ذا اختيار تام في التصرف في الكون وفي شأن من شؤونه سبحانه.
فإذا كان طلب الشفاعة مقترناً بهذه العقيدة يعد عبادة للمشفوع إليه. وإلاّ فيكون طلب الحاجة كسائر الطلبات من غيره سبحانه الذي لا يشك ذو مسكة في عدم كونها عبادة.
وثانياً : أنّ المنهي عنه هو دعوة الغير بجعله في رتبته سبحانه كما يفصح عنه قوله : ( مَعَ اللهِ ) وعلى ذلك فالمنهي هو دعوة الغير ، وجعله مع الله ، لا ما إذا دعا الغير معتقداً بأنّه عبد من عباده لا يملك لنفسه ولا لغيره ضراً ولا نفعاً ولا حياة ولا بعثاً ولا نشوراً إلاّ بما يملكه من الله سبحانه ويتفضّل عليه بإذنه ويقدر عليه بمشيئته ، فعند ذاك فالطلب منه بهذا الوصف يرجع إلى الله سبحانه ، وبذلك يظهر أنّ ما تدل عليه الآيات القرآنية من أنّ طلب الحاجة من الأصنام كان شركاً في العبادة ، فلأجل انّ المدعو عند الداعي كان إلهاً أو رباً مستقلاً في شأن من شؤون وجوده أو فعله قال سبحانه : ( وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ ) (١) وقال سبحانه : ( إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ
__________________
(١) الأعراف : ١٩٧.