وقبل الدخول في البحث نقدم أُموراً ، تلقي الضوء على الحقيقة وتكشف الشك عن محيا الواقع.
الأوّل : النبأ في العرف العربي (١) الخبر الخطير الذي يستدعي الاهتمام به بالنظر إلى غاياته وآثاره فهو أخص من مطلق الخبر ، وبه يسمّى النبي نبياً ، لأنّه منبئ بما هو خطير من إنذار أو تبشير ، والتنبّؤ إخبار بالغيب ، لأنّه أظهر أفراد الخبر الخطير وأعظم مصاديق لنبأ العظيم (٢).
النبي في اللغة مأخوذ من مادة « النبأ » بمعنى الخبر المهم العظيم الشأن أو بمعنى الارتفاع وعلو الشأن ، والأوّل أظهر ، وأكثر العرب لا تهمزه ، بل نقل أنّه لم يهمزه إلاّ أهل مكة ، وقد أنكر النبي على رجل قال له : « يا نبيء الله » (٣) حيث روي أنّ رجلاً قال له : يا نبيء الله ، فقال : « لا تنبر (٤) اسمي ، إنّما أنا نبي الله ».
النبي « فعيل » بمعنى فاعل للمبالغة من النبأ : الخبر ، لأنّه ينبئ عن الله ، أي يخبر عنه ، ويجوز فيه تحقيق الهمزة وتخفيفها ، يقال : نَبَأ ونَبَّأ وأنبأ ، قال سيبويه : ليس أحد من العرب إلاّ ويقول : تنبّأ مسيلمة بالهمزة غير انّهم تركوا الهمزة في النبي ، كما تركوه في الذرية والبرية والخابية إلاّ أهل مكة فإنّهم يهمزون هذه الأحرف الثلاثة ولا يهمزون غيرها ويخالفون العرب في ذلك كله (٥).
قال الجوهري : يقال نبأت على القوم إذا طلعت عليهم ، ونبأت من أرض
__________________
(١) ننقل في المقام نصوص أهل اللغة والعلم في تفسير النبي والرسول.
(٢) المعجزة الخالدة : ٧١.
(٣) المنار : ٩ / ٢٢٥ ، ورواه الصدوق في معاني الأخبار : ١١٣.
(٤) أي لا تهمز اسمي ، النبر همز الحروف.
(٥) النهاية لابن الأثير : ٥ / ٣ ، مادة « نبأ ».