التؤدة ( التأنّي ) يقال ناقة مرسلة ، سهلة المسير ، وإبل مراسيل منبعثة انبعاثاً سهلاً ، ومنه « الرسول » المنبعث ، وتصور منه تارة الرفق فقيل على رسلك ، إذا أمرته بالرفق ، وتارة الانبعاث ، فاشتق منه الرسول.
وقال العسكري في فروقه : أرسلت زيداً إلى عمرو ، ويقتضي أنّك حملته رسالة إليه أو خبراً أو ما أشبه ذلك ... إلى أن قال : والنبوة يغلب عليها الإضافة إلى النبي فيقال نبوة النبي ، لأنّه يستحق منها الصفة التي هي على طريقة الفاعل والرسالة تضاف إلى الله لأنّه المرسل بها ، ولهذا قال برسالتي ولم يقل بنبوتي ، والرسالة جملة من البيان يحملها القائم بها ليؤدّيها إلى غيره ، والنبوة تكليف القيام بالرسالة فيجوز إبلاغ الرسالات ، ولا يجوز إبلاغ النبوات (١).
وكلا النصين من الراغب والعسكري ، يهدفان إلى أمر واحد ، وهو أنّ الرسالة نحو سفارة من الغير ، لتنفيذ ما تحمله الشخص من جانب مرسله ، وانّ ما نقل من الفروق من أعلام التفسير وغيره خارج عن جوهرها وصلب معناها ، فإن دلّ عليها فإنّما هو لأمر آخر ، كما سيوافيك بيانه.
الثاني : المفهوم من التدبر في الآيات وما في كلمات أعلام اللغة : انّ النبي هو الإنسان الموحى إليه من الله بإحدى الطرق المعروفة ، وأمّا الرسول فهو الإنسان (٢) ( أو الأعم ) القائم بالسفارة من جانب شخص سواء أكان هو الله أو غيره بإبلاغ قول أو تنفيذ عمل.
وإن شئت قلت : إنّ النبوة منصب معنوي وارتقاء للنفس الإنسانية ،
__________________
(١) الفروق اللغوية : ٢٢٢ ، الباب الرابع والعشرون.
(٢) وما أشبه حال اللفظين : النبي والرسول بلفظي « المجتهد » و « المبلغ ».
(٣) سيوافيك بيان انّه لا يشترط في صدق الرسول كونه مبعوثاً من جانبه سبحانه ، بل يعم ما لو كان مبعوثاً من شخص عادي ، فانتظر.