جانب الله أو من جانب نبيه ، أو شخص ثالث ولا يتأتى مثل هذا الاحتمال في النبي وبذلك يعلم سر إطراء عدة من الأنبياء بالرسالة أوّلاً وبالنبوة ثانياً ، قال سبحانه : ( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ ) (١) ويقول سبحانه : ( وَاذْكُرْ فِي الكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً ) (٢) وقال عز اسمه : ( وَاذْكُرْ فِي الكِتَابِ مُوسَىٰ إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصاً وَكَانَ رَسُولاً نَبِيًّا ) (٣) ، وقال عزّ من قائل : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ) (٤).
ترى أنّه سبحانه عندما أراد إطراء نبي من الأنبياء وتوصيفه بما فيه من الصفات ، يصفه أوّلاً بكونه رسولاً ثم يردفه بكونه نبياً ، وما ذاك إلاّ لما أوضحناه من سمو مقام النبي وكرامته على مطلق الرسول وأحقيته منه عند الإطلاق ، فلو كان الأمر على ما اشتهر بين الناس من أحقية الرسول وأفضليته ، لما صحّ له سبحانه أن يترقى من الوصف العالي إلى ما هو أنزل منه ، خصوصاً إذا كان في مقام الإطراء والمدح ، كما هو الحال في الآيات كلّها غير الرابعة.
النبوة أساس رسالة الإنسان من الله سبحانه ، إذ رسالة الإنسان من جانب الله سبحانه لإبلاغ أمره أو زجره لا تتحقّق إلاّ باتصاف الرسول بالنبوة وارتقاء نفس النبي إلى حد يقدر معه على وعي الوحي ، ويصبح به جديراً بنزول كلام الرب عليه ، إذ الرسول الذي أمرنا الله بوجوب اتباعه واقتفائه ، وحرمة التخلف
__________________
(١) الأعراف : ١٥٧.
(٢) مريم : ٥٤.
(٣) مريم : ٥١.
(٤) الحج : ٥٢.