والعجب تسمية ذلك في كلام بعضهم ( أي إدراج الآية المدنية في السورة المكية أو بالعكس ) تحريفاً باطلاً فإنّ هذا تصور باطل عن معنى التحريف الذي هو بمعنى الزيادة والنقيصة في القرآن وإلاّ يلزم أن نعتبر كلَّ المفسرين والمحدّثين من القائلين بالتحريف لأنَّهم كثيراً ما يعتبرون الآية مدنية في ضمن السورة المكية وبالعكس.
على أنّ التحقيق هو أنَّ القرآن جمع في عصر الرسول بهذا الشكل الحاضر فبأمره رتبت سوره ونظمت آياته ، ووضعت كل آية في موضعها ، فإذا كان ذلك بأمر الرسول فهل يصح أن نعتبره تحريفاً ؟
روى المفسرون عن ابن عباس والسدي : انّ قوله تعالى : ( وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ) (١) آخر آية نزلت من الفرقان على رسول الله وانّ جبرئيل قال له ضعها على رأس الثمانين والمائتين من البقرة ، وهذا القول كأنّما إجماعي ، وانّما الاختلاف في مدة حياة الرسول بعد نزولها.
إنّ المحبة حالة قلبية غير اختيارية فلا يمكن الأمر بها بأن تقع تحت دائرة الطلب ، لأنّه لو كانت هناك موجبات الود وجدت المحبة قهراً وإن لم يوص بها ، وإن لم تكن فلا توجد وان كانت هناك توصية بذلك.
الجواب : عزب عن المستشكل أنّه لو كانت المودة أمراً غير اختياري موجباً لعدم صحة الأمر بها ، لزم عدم صحة النهي عنها أيضاً فإنّ الموضوع غير
__________________
(١) البقرة : ٢٨١.
(٢) الكشاف : ١ / ٣٠٣ ، مجمع البيان : ١ / ٣٩٤ ، الإتقان : ١ / ٧٧.